حرب الفقراء النووية الممنوعة .. الهند و باكستان ـ يونس عودة

الثلاثاء 05 آذار , 2019 09:58 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يمكن القول ان الحركة الدولية التي لم تشارك فيها الولايات المتحدة الاميركية، الى جانب الاسباب الموضوعية تمكنت من احتواء التصعيد الخطيربين الهند وباكستان بعد الاشتباك الجوي الذي نتج عنه سقوط طائرتين هنديتين وطائرة باكستانية. وهو التصعيد الذي كاد لو سمح له بالاتساع ان يتحول الى كارثة كبرى بين دولتين في منطقة حساسة جدا على الكرة الارضية، وفيهما تعداد بشري هائل من الفقراء رغم امتلاكهما لاسلحة نووية عسكرية.

ان الخلاف الهندي - الباكستاني عمره من عمر الاستعمار البريطاني لتلك المنطقة من العالم، وهو الاستعمار الذي جرى ترحيله من تلك المنطقة، لكنه تمكن من ابقاء بذور فتنة، يمكن ان تستمر إلى الابد ويمكن استدعاؤها غب الطلب كما حدث ذلك 3 مرات منذ رحيل الاستعمار عام 1947. 

ان المواجهة التي حدثت في الايام الاخيرة وتدحرجت من قصف معسكر لـ"جيش محمد"المصنف ارهابيا في المفهوم الهندي وتدمير المعسكر ومقتل 300 مسلح، قالت الهند انهم كانوا يعدون لعلميات هجومية ضدها كما حصل قبل ايام في القصف وادى الى مقتل 40 عسكريا هنديا، الى المواجهة الجوية اثارت هواجس ومخاوف جدية واسعة من ان  تتوسع من منطقة جامو - كشمير المتنازع على سيادتها (لغم الاستعمار البريطاني) وصولا الى استخدام الصواريخ البالستية الحاملة لرؤوس نووية، وهذا بحد ذاته تسبب برعب دولي لان عدم المبادرة في مثل هذه الحال يمكن ان يقود عالم الذي سينقسم حتما اتجاه الطرفين الى دمار كبير. وعليه سارعت ايران وروسيا لطرح وساطات لمنع تدهور الوضع، وحتى السعودية طرحت امرا مماثلا، الا ان الغريب ان المواجهة جاءت بعد جولة لولي العهد السعودي الاسيوية وشملت الدولتين، وهناك من يقول ان تحريضا ارتكبه محمد بن سلمان خلال الجولة، وان استجابة الهند التي قصدها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الاونة الاخيرة كانت اكثر سخونة مما تقبلتها باكستان، ولذلك بادر رئيس الوزراء الباكستاني الذي تسلم منصبه حديثا الى الدعوة للحوار، وهو الذي اعلن بعيد فوزه بانه يريد علاقات طيبة مع مختلف الجيران.

واذا كان التوتر لا يزال مخيما على منطقة كشمير المعروفة ب "سقف السماء"وتشهد قصفا مدفعيا متبادلا بشكل شبه يومي، فان موانع عدة تحول دون تطورات اكثر دراماتيكية واسعة، فالدولتان الاسيويتان تمتلكان قدرات نووية، الا ان الهند وباعتراف اللجنة الدائمة للدفاع في البرلمان الهندي فان القوات العسكرية الهندية تفتقر الى المعدات الحديثة، لان 68 بالمئة من مخزون المعدات العسكرية والاسلحة قديمة للغاية ومصنفة "عتيقة" بينما على القوات  تنفيذ عمليات في القرن الواحد والعشرين ,اضافة الى البيروقرطية المتضخمة ما يجعل مبيعات الاسلحة الاميركية والتدريبات المشتركة مرهقة، اضافة الى ما تعانيه القوات الهندية من نقص كبير في التمويل، وهو ما يجعل القوات الجوية والبحرية والجيش في حال تنافس عوضا عن العمل المشترك، وربما هذه احدى الرسائل للولايات المتحدة الاميركية التي تعتمد على الهند لكبح جماح التمدد الصيني في المنطقة وربما في العالم باعتبار ان الهند لديها ثاني اكبر مخزون بشري على الكرة الارضية بعد الصين التي تجاورها.   

اما على المستوى الاستراتيجي فالدولتان من بين الاعضاء في منظمة "شنغهاي" التي اسستها الصين وروسيا وقد ادى انضمامهما معا الى تغيير الصيغة التي تأسست عليها المنظمة بهدف الحفاظ على الامن في اسيا الوسطى، وان السبب الرئيسي من انشاء هذا التكتل الدولي الوازن ان لاتكون هناك صراعات بين الدول الاعضاء، ولا السماح بغزو قوى خارجية لاراضيها، لا بل ان عدم قبول عضوية افغانستان المجاورة يعود الى سبب جوهري وهو الاحتلال الاميركي في افغانستان، وبالتالي فان ذلك يعني ان استقطاب هاتين الدولتين النوويتين الى "شنغهاي" يعني موافقتهما على التقيد بقوانينها، من المنطلقات الى الاهداف، والامتناع عن حل النزاعات والخلافات بالقوة العسكرية.

واذا كان ابرز اهداف منظمة شنغهاي انهاء وجود القوات الاميركية في المنطقة وتخفيض تأثيرها على دول المنطقة، يعني ان المستفيد من تطور النزاع الى حرب هو حكما الولايات المتحدة التي تستعد للرحيل عن افغانستان.

ليس عصيا على الفهم ان الاميركي عندما يخرج مندحرا من اي منطقة يسعى الى اشعال حروب داخلية في نطاقها، ولذلك فان المهمة المطلوبة من الصين وروسيا ايجاد اجواء ثقة بين الدولتين النوويتين الفقيرتين لان موسكو وبكين هما الاكثر تضررا على المستوى الاستراتيجي بعد الهند وباكستان، والاخيرتان يتوجب عليهما اعدام اي لعبة لقوى الشر المتمثلة بالولايات المتحدة واتباعها، بانتظار حل مشكلة، سقف السماء .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل