بعد الانسحاب من المفاوضات ونبرة التحدي في التصريحات هل أعلنت إثيوبيا الحرب على مصر ؟ ـ فادي عيد وهيب

الخميس 12 آذار , 2020 12:54 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

صرحت وزارة المياه الإثيوبية يوم 26فبراير/شباط الماضي بشكل رسمي عن أنها لن تشارك في أجتماعات واشنطن حول سد النهضة، وأنها أبلغت وزارة الخزانة الأميركية بقرارها، بعد أن قالت الوزارة في بيان أنها "غير قادرة على التفاوض في الوقت الحالي؛ لأنها لم تنتهِ حتى الآن من المناقشات التي تجريها محليًا مع الجهات المعنية بشأن السد، ما دفعها لعدم المشاركة في المفاوضات الثلاثية في واشنطن".

وقد جاء ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه مصر وصول وزير الموارد المائية والري الدكتور محمد عبد العاطي والوفد الفني المرافق له إلى واشنطن، لاستكمال جلسات التفاوض حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، التي عقدت يومي 27 و28 فبراير/شباط الماضي، وبالتزامن أعلنت السودان عن تسلم الدول الثلاث مسودة الأتفاق التي أعدتها واشنطن بمشاركة البنك الدولي، تمهيدًا للتوقيع عليها نهاية فبراير/شباط الماضي.

ولان قرار سد النهضة ليس بيد إثيوبيا ولم يكن الغرض يوما من ذلك السد تنمية إثيوبيا بقدرمايهدف إلى تعطيش مصر، كان اجتماع واشنطن الذي شهد جولات مفاوضات سد النهضة بين وزراء الخارجية والري في مصر والسودان وإثيوبيا، في حضور ممثلين عن البنك الدولي والولايات المتحدة، وعقب ذلك أعلنت الأطراف الثلاث وفي مقدمتها الجانب الإثيوبي أنه سيتم توقيع الاتفاق النهائي بشأن ملء وتشغيل سد النهضة قبل نهاية فبراير/شباط الماضي.

وقبل انسحاب إثيوبيا أيضا بثلاثة أيام زار رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق هايلا ماريام ديسالين القاهرة في 23فبراير/شباط الماضي، كمبعوث عن آبي أحمد رئيس الوزراء الحالي، والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارة وصفتها الخارجية الإثيوبية بالـناجحة، مضيفة أن «مبعوث آبي أحمد أتفق مع الرئيس المصري على حل أي مشكلة تواجه البلدين عبر الحوار».

الى أن جاء يوم الثلاثاء 3مارس/اذار الجاري لكي يحمل كل التطورات الخطيرة، فخلال المؤتمر الصحافي المشترك بين وزير الخارجية الإثيوبي جودو أندارجاشيو ووزير الري الإثيوبي سليشي بقلي، صرح الأول، قائلا :"بأن بلاده ستبدأ التعبئة الأولية لخزان سد النهضة بعد 4 أشهر، وأنه لا توجد قوة يمكنها منع إثيوبيا من بناء السد"

وصرح الثاني قائلا: "أن الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه"

كما أضاف وزير الري مطالبا وزارة الخزانة الأميركية بتصحيح ما ورد في بيانها، واصفا إياه بأنه بيان غير دبلوماسي، مشددا على أنه لا ينبغي تدخل الولايات المتحدة أو دولة أخرى في تحديد مصلحة بلاده.

وبالتزامن ترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أجتماعا موسعا لقيادات القوات المسلحة المصرية في مقر وزارة الدفاع، مؤكدا على ضرورة الأستمرار في التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والأستعداد القتالي، وصولا إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أية مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظل التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة.

كما جرى أتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي ونظيره المصري لبحث أخر تطورات ملف سد النهضة بنفس اليوم.

في بداية الأسبوع الجاري أنطلق وزير الخارجية المصري سامح شكرى في جولة خارجية لسبع دول عربية وهي: الأردن والعراق والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان لتوصيل رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لرؤساء وملوك وأمراء تلك الدول، وكلها كانت رسائل متعلقة بملف سد النهضة، بينما من أوصل "الرسالة" إلى السودان كان مدير المخابرات المصرية عباس كامل.

وكما هو موضح ودون الحاجة للشرح، فالأيام الأخيرة أكدت أن اللعب بين أطراف الأزمة صار على المكشوف، ولم يعد هناك أي مجال للتصريحات الهادئة مرة أخرى.

حقيقة الأمر أن إنسحاب إثيوبيا (التى لم تتبع اسلوب المراوغة من البداية وحتى النهاية) لم يكن مفاجئا لمصر، بل كانت المفاجئة لو أكملت إثيوبيا مشوار المفاوضات حتى النهاية ووقعت على الأتفاق الأخير.

فلم يكن مشروع سد النهضة فكرة إثيوبيا من الأساس، بل فكرة صهيونية بأمتياز لتعطيش مصر، وتهديد مستقبل أمنها، وخلق شوكة تكون صداعاً دائماً للقاهرة، صداع لا ينتهي الا بمد مياه النيل التى وصلت لصحراء سيناء الى دولة الإحتلال.

وبالتأكيد القاهرة تعلم كل ما سبق وأكثر ، وكل الاعيب أفاعي الحبشة، وكانت أيضا تتوقع انسحاب إثيوبيا أو بالأدق تنتظر إنسحابها من المفاوضات التى كانت برعاية الولايات المتحدة الأميركية، والتى جاءت رعايتها لتلك المفاوضات بطلب من القاهرة نفسها، كي تكون واشنطن وأبي أحمد ومن يحركه في معادلة واحدة، وهنا أن لم تنجح واشنطن في وساطتها مع ابي أحمد ومن يحركه (إسرائيل) التى هي مع واشنطن كحال أبي أحمد معها، سيكون للقاهرة كل الحق في الرد على الجانب المعتدي، وحينها سيكون القانون الدولي أول من يقف في صفها.

قوى أقليمية ودولية عديدة سعت لإستنزاف مصر عبر مخطط الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، وهو المخطط الذى سعى لتدمير كافة الجمهوريات المتواجدة بالمنطقة بداية بالعراق مرورا بسوريا ولبنان وليبيا واليمن ومصر وتونس والسودان وحتى الجزائر، ونعلم جميعا كيف كانت محاولات صنع الفتنة بين الشعب المصري وقواته المسلحة منذ عام 2011م وحتى الأن، ونعلم أكثر حجم الضغوط الرهيبة التى مورست على القاهرة كي تتورط في الفخ اليمني، وكيف التزمت مصر بعقيدتها وتمسكت بمبادئها تجاه الحرب على اليمن، وكيف كان تدمير ليبيا وتسكين المرتزقة والإرهابيين بها الهدف الأول منه إستهداف مصر وأمنها، ومن هنا أصر العدو أن يعجل من خلق بؤرة توتر جديدة ولكن هذه المرة على حدود مصر الجنوبية.

أن قرار سد النهضة ليس بيد إثيوبيا ولم يكن الغرض يوما من ذلك السد تنمية إثيوبيا بقدر ماهو تعطيش مصر، فكما جاء وعد نابليون بونابرت لليهود كنواة لإحياء فكرة عودة اليهود إلى فلسطين، في المقابل يكون المال اليهودي عامل مساعد لسيطرة نابليون على الشرق، كذلك كانت فكرة البرتغاليين بتنفيذ سدود بالحبشة للتحكم في مياة النيل للانتقام من مصر المملوكية، والتى كانت القوة الوحيدة التى كسرت شوكتهم بالهند وسواحل الحجاز، وقت أن كانت أساطيل البرتغال مسيطرة على كل محيطات العالم النواة الأولى لتنفيذ مشروع لوي ذراع مصر عبر مشروع سد النهضة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل