الكراهية.. السلاح الأميركي الحقيقي ضد الصين ـ يونس عودة

الثلاثاء 05 أيار , 2020 10:52 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا تتوانى الولايات المتحدة الاميركية عن نشر اوبئتها السياسية والاقتصادية والامنية ,واخطرها الاوبئة الاخلاقية عبر تضليل المجتمعات بنشرها الاكاذيب عبر شبكة اعلامية واسعة تديرها غرف سوداء سواء في البيت الابيض او البنتاغون أو وزارة الخارجية ,وهذه الامور ليست حكرا على ادارة الرئيس الحالي دونالد ترامب , انما في عهود كل الادارات الاميركية منذ تأسيس الدولة التي قامت على ارتكاب المجازر ليس فقط على الارض التي تسمى الان الولايات المتحدة، بل شملت العالم ,بذرائع واهية عن الحرية والتمدن والديموقراطية ,والتنافس الحر .

لعل إدارة ترامب أكثر وقاحة من سابقاتها , وهو شخصيا لا يجاريه مخلوق قي هذا السياق , تهديدا وتهويلا , لتمرير أكاذيبه التي تخفي اهدافا هي لب الثقافة الاميركية , الا وهي الكسب المالي والاقتصادي ولو على ملايين الجماجم البشرية , مع التنكر ببساطة وبلاهة لأي اتفاقية يمكن ان تقيد الوحشية الاميركية .

تتهم ادارة ترامب جمهورية الصين بانها وراء انتشار وباء "كوفيد 19", وانها ضللت منظمة الصحة العالمية - طبعا المنظمة نفت - بحجب المعلومات سواء عن المرض او وسائل العلاج التي استخدمتها , وفي اخر تقليعات الرئيس الاميركي اعتبر ان (السلطات الصينية) ارتكبوا خطأ فظيعا، ولم يرغبوا في الاعتراف به"، مكررا أن بكين ضللت منظمة الصحة العالمية التي علق الرئيس الأميركي تمويلها لاحقا.واعتبر أن منظمة الصحة العالمية "تدور في فلك الصين ولا تعارضها في أي شيء".

بالمقابل لم تجب الولايات المتحدة عن الاسئلة حول مختبراتها الجرثومية لا سيما في جورجيا واوكرانيا وافغانستان، رغم ان اصواتاً متعددة خرجت في البلدين تحذر من مخاطر تلك المختبرات , بينما السلطات المحلية لا حول لها ولا قوة بعد ان وضعت نفسها في خدمة المبتز والوعود بالجنة الاقتصادية والحرية والديمقراطية المزعومة.

ويعتقد ان نسبة الاتهامات الترامبية سترتفع مع اقتراب موعد الانتخابات الاميركية المرجح ان يعمد الى تأجيلها بسحبه ارنبا من كمه , بعد فشل ادارته وهو شخصيا في مجالي الاقتصاد مع ارتفاع وتائر العاطلين عن العمل , وكذلك الفشل في وقف تصاعد حصاد كورونا للضحايا في الولايات المتحدة سواء في الموت او الاصابات بحيث احتلت دولته المرتبة الاولى بلا منازع في المجالين , رغم اطلاقه من حين إلى آخر تصريحات بدنو "الفتح الكبير" بايجاد العلاج واللقاح الترياق للمرض القاتل.

لقد وجد ترامب ضالته الكامنة في اعماق روحه وهي المتمثلة بالكراهية , لذلك اطلق على كورونا المستجد "الوباء الصيني" , وبدأ يركز في حملته على كره الاجانب وهو سلاحه الاستراتيجي , وهو ما لجأ إليه منذ وصوله الى البيت الابيض , وقد حاول في بعض المرات ان يسحب كلامه، خصوصاً اتجاه المكسيك او الاعراق الاخرى , وهدف ترامب إعادة رفع شعبيته التي ضربتها كورونا في الصميم ،ولذلك سيشهد العالم تغييرا في اتجاه حملته الانتخابية، ولهذا يركز على كراهية الأجانب بدلاً من النجاح الاقتصادي, وهو مثل أي سياسي بلا اخلاق، يتلاعب بالرأي العام ويلعب على مشاعر الناخبين , وجمهوره في غالبيته تراوده العنصرية التي تعشعش في نفسه.

وعلى الرغم من نفي الصين ومنظمة الصحة العالمية هرطقات ترامب، والتي ايضا سخرت منها مجموعة من علماء الطب الجرثومي في الولايات المتحدة وكذلك تقارير اجهزة المخابرات بما فيها الاميركية, فان بطانته لم تعدل في موقفها , وها هو وزير خارجيته مايك بومبيو يتهم , ويسقط في نيل العلامة التضليلية ,فيقول بومبيو في مقابلة مع قناة تلفزيون "إيه.بي.سي": "إن هناك كمًا كبيرا من الأدلة على أن هذا (الفيروس) جاء من ذلك المختبر في ووهان".وأن "أفضل الخبراء حتى الآن يعتقدون فيما يبدو أنه من صنع الإنسان. ما من سبب لعدم تصديق ذلك في هذه المرحلة".وعندما أشار المذيع، الذي يجري معه المقابلة إلى أن ذلك يتناقض مع ما خلصت إليه وكالات الاستخبارات الأميركية تراجع بومبيو قائلا: "رأيت ما قالته أجهزة المخابرات. ليس لدي أي سبب لأتصور أنهم فهموا الأمر بشكل خاطئ".

لا شك ان كلام بومبيو الذي لم يقدم دليلا واحدا عن "الكم الهائل" الذي تحدث عن امتلاكه ,لا يتعارض فقط مع تقارير أجهزة المخابرات الأميركية , بل يتناقض معها الى اقصى الحدود ,وورد في التقرير الذي صدر يوم الخميس الماضي من مكتب مدير الاستخبارات الأميركية أن أجهزة الاستخبارات "تتفق مع الإجماع العلمي الواسع النطاق على أن الفيروس لم يصنعه إنسان ولم يتم تطويره جينيا".وهذا الامر يقوّض نظريات البيت الابيض التآمرية التي يروج لها نشطاء مناهضون للصين وبعض مؤيدي الرئيس دونالد ترامب، وزيادة على ذلك فقد قال مسؤولون أميركيون مطلعون على تقارير وتحليلات الاستخبارات منذ أسابيع إنهم لا يعتقدون أن علماء صينيين طوروا فيروس كورونا في مختبر حكومي للأسلحة البيولوجية وخرج منه بعد ذلك لينتشر في أنحاء العالم.

إلى ذلك ,فان عالمة الأوبئة في جامعة كاليفورنيا جونا مازيت،كشفت  عن أسباب اعتبرت أنها تجعل تسرب الفيروس التاجي من المختبر الصيني في ووهان مستبعداً، وقالت جونا التي سبق لها العمل عن قرب مع معهد ووهان للفيروسات إنها عملت مع مسؤولي المعهد على "تطوير بروتوكول أمان صارم للغاية"، مشيرة إلى أنه "من المستبعد جدا أن يكون (تسرب الفيروس) حادثا في المختبر". معتبرة الحديث عن أن باحثي معهد ووهان لم يكونوا عابئين بالإجراءات الوقائية، وأن بعضا منهم التقط فيروس كورونا ونشره خارج المعامل، ومنه إلى العالم، عارية من الصحة.

اذن فان الامر "من فمك ادينك ياترامب "لتأتيه صفعة ثالثة من رئيس بلدية نيويورك الذي شدد على أن الوباء وصل إلى ولايته من أوروبا وليس من الصين، مبينا أن الولايات المتحدة استقبلت في شباط 2020 مليون و700 الف شخص قدموا من الدول الأوروبية". ما نراه في نيويورك لم يأت من الصين، في الحقيقة يدور الحديث عن سلالة مختلفة للفيروس وصلت من أوروبا.

لكن ترامب القادر على قلب الحقائق لن تكون سياسته قدرا على كل الدول ,فالعالم تتغير نظرته الى الولايات المتحدة, لكن لا يزال في العالم دول ترضى ان تكون "شرابة خرج" على الحمار الاميركي , ولذلك تمكنت ادارة ترامب , ابتزازا او انصياعا تلقائيا من استقطاب من سموا انفسهم اتحاد "العيون الخمس" والذي يضم (الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وبريطانيا)، فاتهموا في تقرير الصين بانها أخفت أو دمرت عمدا أدلة حول تفشي فيروس كورونا المستجد.

وفي هذا الاطار يقول مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات، الخبير روسلان بوخوف، أن هذا التقرير يعتبر مثالا كلاسيكيا للاستخبارات التي تعتمد في عملها على الإيمان، وليس على الحقائق والوقائع.وأشار الخبير، إلى أن نظام Five eyes، موروث من الحرب العالمية الثانية، وتم إنشاؤه عندما كانت المخابرات البريطانية لا تزال قوية،وان اتهام ,إخفاء الصين للمعطيات الخاصة بكورونا، هو محاولة من قبل الغرب، وخصوصاً واشنطن للتغطية على فشلها في الحصول على المعلومات.ووفقا له، فإن هذا النظام في الوقت الراهن، يعني أن واشنطن توزع بعض الفتات من طاولتها على الباقين، وأن العيون الأربعة الباقية، عمياء لا ترى شيئا.

اما القطبة الاميركية التي تعتقد ادارة ترامب انها مخفية، ضمن استغلال كورونا,فقد فضحها السياسي الحامل لقب دبلوماسي ديفيد شينكر بدعوته الكيان الصهيوني الى مراقبة الاستثمارات الخارجيّة فيها لضمان عدم توجّه شركاتها للحصول على استثمارات صينيّة، خصوصًا في فترة الانكماش الاقتصادي، التي تلت تفشّي جائحة كورونا.وبحسب ما نقلت وكالة "بلومبيرغ"عن شينكر، قوله إنه "من النتائج الأولويّة لهذه الأزمة هو أن نكون أكثر حذرًا في التعامل مع الصين"، وإن "هناك شركات بحاجة ماسّة إلى رأسمال، ومن الممكن أن تكون هدفًا للاستثمار الشرس", وقالت الوكالة بصريح العبارة ان الولايات المتحدة حذرت حليفتها الإستراتيجيّة العليا، إسرائيل، من أن التعاون الاستخباراتي بينهما بالإضافة إلى أطر للتعاون ستكون على المحكّ إن استمرّت الاستثمارات الصينيّة.

إذاً، هو الصراع الاقتصادي الذي سوف يتعاظم في اعقاب كورونا , والولايات المتحدة لن تتهاون بوحشيتها حتى مع ربيبتها اذا خرجت عن الخط المرسوم ,لكنها تدري ايضا ان الجمر يتأجج داخل الولايات المتحدة , وليست حالات التمرد في بعض الولايات الا مؤشرات تراكمية.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل