معركة بيع الدولة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 12 حزيران , 2020 11:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

إختلف المشهد أمس، بعد أن اكتمل النصاب الوطني في الإحتجاجات الشعبية على الأزمة الإقتصادية والمالية، التي تطبق على خناق لبنان واللبنانيين. لكن تجمع الحشود اللافت في كل أمكنة الإحتجاج، لم يمنع من ملاحظة أن الشارع المتحرك هو شارعين: الأول، شارع واسع التمثيل والإنتشار يتواجد في معظم المناطق اللبنانية، متنوع الإنتماءات السياسية والطائفية والمناطقية، يرفع شعارات مطلبية إجتماعية ويرفض الدخول في متاهات الشعارات السياسية والطائفية، التي شوهت تحرك السابع عشر من تشرين الماضي وأفشلته.

أما الشارع الثاني، فمنعزل محدود الإنتشار يفتقر إلى التنوع السياسي والمناطقي، يصر على تسيييس التحرك واستثماره في خدمة غايات بعيدة عن هموم وأوجاع اللبنانيين.

وبنظرة سريعة للقوى التي تقف خلف الشارع الأول والشعارات التي يرفعها، تتصدر المطالبة بمحاربة الفساد واستعادة المال المنهوب وانقاذ الإقتصاد الوطني، عبر التوجه نحو بدائل وخيارات إقتصادية تواجه العقوبات الأميركية وتخفف من وطأتها، بل وتحرجها، من خلال التوجه شرقاً وتحديداً نحو الصين وروسيا وإيران ودول الجوار العربي، لإيجاد حلول لأزمات الكهرباء والطاقة وإيجاد أسواق لتصدير المنتوجات اللبنانية. والأهم هو الحفاظ على القطاع العام وعدم بيعه للحصول على عملات صعبة، تهرباً من ملاحقة الذين سرقوا مال الدولة وأموال المودعين في المصارف. لذلك، من مطالب هذا الشارع تحميل المصارف مسؤولية المساهمة في إنقاذ الإقتصاد اللبناني، بقدر الأرباح الفاحشة التي حققتها من خلال تواطؤها مع طبقة الفاسدين الحاكمة ومع حاكم مصرف لبنان،  صاحب الهندسات المالية المعروفة، التي وهب فيها مليارات الدولارات من أموال اللبنانيين، لمصارف محظية من أركان تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف. ولذلك تبرز المطالبة هنا بإقالة حاكم مصرف لبنان ومحاسبته.

أما الشارع الثاني، فيوجه شعاراته في إتجاه مغاير، يطال الحكومة التي برغم فشلها وارتباكها الملحوظ، تبقى أقل ضرراً من حكومات سعد الحريري التي سببت بإرتكاباتها هذه الأزمة الخانقة. وكانت هي الفاعل الحقيقي في الهدر والسرقات؛ ولم تتورع عن استهداف المواطن وخصوصاً محدود الدخل، في كل قراراتها وسياساتها المالية. ولا تخفي القوى التي تقف خلف هذا الشارع تماهيها مع العقوبات الأميركية واستهدافها سلاح المقاومة. كما لا تخفي ارتباطها بجمعية المصارف ودفاعها عنها ورفضها تحميلها عبء الإصلاح المالي. وتدافع عن حاكم مصرف لبنان "الخالد" في منصبه منذ 27 عاماً من الفساد ومن تطبيقه الإملاءات الأميركية بحق اللبنانيين. والأهم، انها تجهر في المطالبة ببيع أملاك الدولة ومرافقها لسد الفجوة المالية القائمة، علماً أن هذا الأمر لو حصل لن يوقف الفساد ولا الفاسدين، بل سيشكل مكافأة لهم لآنهم هم الذين سيشترون أملاك الدولة بما سرقوه من مالها ومن أموال اللبنانيين.  

على هذا الإصطفاف، نشهد هذه الأيام "كباشاً" بين الطرفين السياسيين والشارعين، بدأت تتوضح معالمه من خلال تحركات الشارع. وسط محاولة أركان سلطة الفساد ترميم بنيتهم التحاصصية، من خلال ترويج دعوة لحكومة "وحدة وطنية"، تعيد تلميع صورة ودور رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، صاحب فكرة بيع الدولة بكاملها للقطاع الخاص. فيما يهيء الحريري نفسه لهذه المهمة، عبر تكرار شروطه بان يكون حاكماً بأمره وبأمر تطبيق الإملاءات الأميركية في السياسة والإقتصاد. وإن كان يدعي زهده بالسلطة وبالعودة إلى السرايا ويقول: لا أطلب العودة إلى رئاسة  الحكومة و"ما بدي إرجع".

عودة حراك الشارع وبقوة أمس، جاءت بعد أن تخطى سعر الدولار في السوق السوداء السبعة آلاف ليرة. وبعد أن تبين أن ما يجري تحت حجة الإصلاح المالي، ما هو إلا إفلاس للدولة، لأن نهج دعم إستيراد السلع الضرورية هو أسرع طريقة لإستنفاذ ما تبقى من مال لدى مصرف لبنان. في حين أن استعادة أموال الدولة من مداخيل مرافقها؛ واستعادة المال المهرب إلى خارج لبنان وملاحقة ومحاسبة السارقين، هو وحده الذي سيهدىء انتفاضة الشارع ويوقف ثورته.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل