الحوار العقيم .. "لا غالب ولا مغلوب" ـ د. نسيب حطيط

الجمعة 26 حزيران , 2020 09:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
من الإشكاليات الكبرى والمقلقة في لبنان صيغة "لا غالب ولا مغلوب" المستدامة، والتي تحكم العلاقات والسلوكيات السياسية في لبنان بالإضافة إلى تقييدها للعملية السياسية والانتخابات الديمقراطية والتمثيلية فهي تلغيها بشكل عام وشامل لأن الأطراف السياسية تعرف نتائج أي معركة سياسية أو اختلاف وجهات النظر بأن الجميع سيجلسون أخيراً على طاولة مستديرة بدون "رأس" أو قائد، ويتساوى فيه القوي والضعيف، العميل والمقاوم، والمرتكب الفاسد مع الضحية المصلح فلا أحجام تفرض نفسها، واذا وصلت بعض الأطراف السياسية للخسارة تراجعت للاحتماء بطوائفها ومذاهبها، وترسم الخطوط الحمراء التي تشوّه المشهد السياسي اللبناني كما تشوّه أسلاك الكهرباء شوارعنا، وحيث يختلط الحابل بالنابل .
إن معادلة "لا غالب ولا مغلوب" معادلة انتقائية غير ثابتة حيث إن بعض الأطراف التي حكمت لبنان بصفتها الغالبة لم تحترم الميثاقية والمواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية منذ تأسيس الكيان اللبناني، ومن ثمّ ذهبت لفرض غلبتها بالسلاح غير الشرعي وأشعلت الحرب الأهلية ضد الفلسطينيين وهي التي كانت قد أبرمت اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم تحالفت مع العدو الإسرائيلي واستقدمته الى لبنان باجتياح عسكري عام 1982ثم ارتكبت المجازر الوحشية ضد اللبنانيين والفلسطينيين وفي مقدمتها المجزرة الأكثر وحشية مجزرة "صبرا وشاتيلا".
إن أي حوار مع المرتكبين والفاسدين مضيعة للوقت وإهدار للتضحيات وإعدام للأهداف النبيلة وتفتيت للوطن، وإن غياب المحاباة أو حتى العتاب أو الاتهام سيشجع العميل الفاسد والمقصر والمرتشي ليواصل ارتكاباته وأفعاله الإجرامية بل سيشجعه ليكون مدعياً عاماً ضد المقاومين ويطالب بسحب سلاحهم بشكل وقح، حيث يصبح القاضي والمقاوم في قفص الإتهام!
إن منظومة الدلع السياسي أو المجاملة أو تجاوز المحاسبة لن تبني وطناً، ولن تحفظ تضحيات، ولن تحمي مستقبل أجيال بل سنبقى نتعامل مع مومياءات سياسية تخرج بين الفينة والأخرى لتقرأ من دفاترها الصفراء خطابات تفوح منها رائحة الارتهان والنفعية الزبائنية والخطابات المدفوعة الثمن مسبقاً!
إن لبنان على مفترق طرق وهو يواجه "اجتياحاً ناعماً" ويقصف بالدولار ويصعق بفساد الكهرباء والتهرّب الضريبي والأموال المنهوبة حيث يتم سرقة الشعب اللبناني جهاراً وعلناً من المصارف ومجالس إداراتها من السياسيين والعائلات المالكة ومصادرة تعب المغتربين والمقيمين وإفقارهم لعقود طويلة وإرهاقهم بالجوع ووضعهم أمام خيارين إما الاستسلام ورفع الراية البيضاء "المعنونة" بالتنازل عن الحقوق والسيادة والحرية والأمن أو الموت جوعاً أو بنار الفتنة والفوضى الاجتماعية والمعيشية .
إن إطالة الحوار مع المتحجرين سياسياً وثقافياً تعطيهم جرعات وقاحة واقتناص فرص لبثّ سمومهم وتخرجهم من كهوفه السياسية والطائفية وترفع عنهم الحجر السياسي الطوعي ،حيث إن بعضهم لا يستطيع التواصل مع جيرانه أو أهل مدينته أو حتى عائلته ثم يصدح عبر تغريدة ويتصرف وكأنه يقرر ويمنح ويسمح بل يفترض نفسه معادلاً للسلاح وأهله!
إضافة للخصوم والمرتكبين هناك مأساة أخرى تتمثل ببعض الحلفاء الذين يستمرون بقبض الهدايا السياسية والمعنوية واكتساب المناصب الرسمية والشعبية ثم يفرضون على المقاومة وأهلها شروطهم بحجة أنهم يدعمونها بتغريدة أو تصريح سياسي أو حضور حفل رثاء أو احتفال بالنصر ثم يتركونها وقت الضيق حيث يفترض أن يكونوا أصدقاء وحلفاء ،فنراهم يقفون في صف وخندق الخصوم بقصد أو بغير قصد  بمواجهة المقاومة وأهلها ويبيعونها كلاماً بلا رصيد ويقصفونها بأفعال مؤذية في لحظات مفصلية لا تحتمل الرهانات أو الرؤى الخاطئة تحت وطأة أحلام بمنصب أو هرباً من عقوبات مفترضة..!
نحن في لحظات سياسية خطيرة تهدد الوجود والكيانات ويمكن أن تطيح بكل الإنجازات والانتصارات والتضحيات، وتعيدنا الى أجواء ووقائع الاحتلال العدو الإسرائيلي للعاصمة بيروت مع حلفائه اللبنانيين ....لكن لن ينتصروا وسيهزمون ثانية!


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل