الضّم بين رهانات نتنياهو ونصيحة دينيس روس ـ رامز مصطفى

الإثنين 29 حزيران , 2020 10:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

على مسافة أيام قليلة من قرار ضم أراضٍ في الضفة الغربية وغور الأردن ، لا يزال رئيس حكومة ما تسمى ب" الوحدة " في كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو ، عند إصراره في تنفيذ عمليات الضّم على الرغم من كل الأصوات والمواقف المُهددة والشاجبة والمُحذّرة من تلك الخطوة ، حتى من قيادات أمنية وعسكرية وحتى حزبية من داخل الكيان ، والولايات المتحدة الأمريكية ، ومن المُقرّبين والذين عملوا طيلة حياتهم السياسية لمصلحة الكيان وأطماعه التوسعية ، على حساب الحقوق الفلسطينية .

تعنت نتنياهو في تنفيذ قرار الضّم سواء كان على مراحل أو بالتدريج ، يستند في رهانه على جملة من الوقائع التي يضعها نتنياهو في حسبانه ، على أنّ ردود الأفعال لن تتعدى بيانات الشجب والاستنكار ، من دون اتخاذ أية خطوات عملية في مواجهة قرار الضّم إذا ما نفّذ بالجملة أو خطوة خطوة . فنتياهو يجد وفق تلك الوقائع أنها الفرصة التاريخية التي لن تتكرر إذا ما تردد أو تراجع . وقدوته في ذلك دافيد بن غوريون ، الذي يعتبر مؤسس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في العام 1948 ، وأول شخصية صهيونية توقع على ما أسموها ب" وثيقة الاستقلال " ، وقائد حربها بوصفه رئيس الوزراء والدفاع ، في مواجهة الجيوش العربية التي دخلت فلسطين بهدف تحريرها .   

ومنطق نتنياهو في الإصرار على تنفيذ قراره أنّ ابن غوريون ، ورغم كل التحذيرات ومحاولات منعه من إعلان " وثيقة الاستقلال " ، إلاّ أنه لم يأخذ بكل تلك التحذيرات ومضى في قراره ، لأنه وحسب نتنياهو ، أنّ ابن غوريون لو لم يفعل ذلك لأصبح حلم الحركة الصهيونية في إقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين ، في خبر كان . وهذا فحوى الحوار الذي دار بين اليهودي الصهيوني دينيس روس وبنيامين نتنياهو ، خلال مفاوضات ما عُرِف ب"بروتوكول الخليل " . عندما أبلغ الأخير دينيس روس ، وهو المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما ، وهو مؤلف مشارك لكتاب " كن قوياً وشجاعاً : كيف شكّل أهم قادة إسرائيل مصيرها " ، أنه سيفعل ما فعله ابن غوريون .

في السياق ذاته دينيس روس أرسل في منتصف أيار الماضي لنتنياهو مُحذِراً: " أنصحك بعدم ضّم الضفة لإسرائيل " ، قائلاً : " أعتقد أنّ كافة عمليات الضمّ الأحادية الجانب هي خطأ ونأمل في أنْ يمتنع رئيس الوزراء عن القيام بها . وأنْ يُدرك على الأقل الفرق بين ضمّ مناطق الكتل الاستيطانية المحددة مقابل ضمّ كافة المستوطنات ، وكذلك غور الأردن . فالخيار الأول لن يغلق الباب أمام حل الدولتين ، في حين سيحتّم الخيار الثاني أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية تغيّر هويتها بشكل جوهريّ ، ونأمل في أنْ يستخلص رئيس الوزراء عبرةً من أبرز أسلافه ويختار إرثًا جديراً بالتقدير ، ذلك الذي يضمن استمرار الطابع اليهودي والديمقراطي لإسرائيل لأجيال قادمة " . كلام روس ليس مردّه الحفاظ على مسارات التسوية ومتطلباتها واستحقاقاتها وحمايتها من الانهيار ، بقدر ما هو خوف على مستقبل الكيان واستمراره طابعه اليهودي . 

وفيما يستند إليه نتنياهو من وقائع على ردود الفعل التهويلية والإنشائية :

1.   عندما أُحرِق المسجد الأقصى في 21 أب من العام 1969 ، قالت غولدا مائير: " لم أنم طوال الليل ، كنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان ، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أنّ باستطاعتنا أن نفعل أيّ شيء نريده نحن أمام أمة نائمة " .

2.   قطاع غزة تعرض لثلاثة حروب عدوانية تسببت في دمار كبير ، وسقوط الآلاف من الشهداء والجرحى . وهو لا يزال يتعرض لاعتداءات متواصلة مع حصار خانق منذ ما يزيد على عشر سنوات ، وليس هناك من رادع عربي رسمي لتلك الجرائم الصهيونية ليس على القطاع وحده ، إنما في الضفة الغربية ، بل كان هناك من يُحرّض على استمرار العدوان . 

3.   في كانون الثاني 2017م ، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، يعترف بالقدس الموحدة عاصمة لكيان الاحتلال ، وينقل سفارة بلاده إليها . وفي أذار 2019م ، الرئيس ترامب أيضاً يعترف بسيادة كيان الاحتلال الصهيوني على الجولان العربي السوري . وفي الحالتين لم تُحرّك أيّاً من الدول العربية ساكناً ، سوى الشجب والاستنكار ليس إلا. بل تتم مكافأة الكيان بمزيد من تشريع الأبواب أمام علاقات التطبيع معه .

4.   يعتبر نتنياهو تهديدات رئيس السلطة السيد محمود عباس ، بوقف أشكال التعاون بما فيها الأمنية ، مجرد تهديدات جوفاء ، من خلفية أن الكيان ومن خلال التنسيق الأمني إنما يوفّر الحماية للسلطة ورئيسها من حركة حماس . وبالتالي يعتقد أي نتنياهو ، أنّ رئيس السلطة وأركانه ، ليس في واردهم حلّ السلطة .

لعلّ نتنياهو مُحق بالاستناد لتلك الوقائع ، ولكن لم يضع في حساباته أنّ تلك الوقائع قد لا تصلح في زماننا رغمّ سوئه ، وقد يفتح الحساب دفعة واحدة وبأثرٍ رجعي ولعقود طويلة . خصوصاً وأنّ دينيس روس قد بيّن لنتنياهو مجموعة من المخاطر ، وإلى ما ستؤول إليه الأوضاع في حال تنفيذه خطوة الضّم . وأشار عليه أن يُقصّر نطاق عملية الضّم فقط على مناطق الكتل الاستيطانية التي يُرجَّح أن تكون جزءاً من الكيان في أي عملية تسوية سلمية واقعية ، ويستطيع إعلانه أنه يقوم بذلك لإعطاء الفلسطينيين فرصةً للتفاوض قبل اتّخاذ أي خطوات إضافية ، بحسب قول روس . مضافاً لذلك على نتنياهو أن يأخذ تهديدات قوى المقاومة الفلسطينية على محمل الجد ، بأنّ عملية الضّم هي عمل عدواني يستلزم الرد . وبهذا المعنى عليه أن يُسقط رهانه ، أنّ ما في غزة يعني غزة ، وما في الضفة يعني الضفة ، من خلفية أنّ الانقسام لا يزال سيد المشهد بين حماس وفتح .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل