حكاية الاساطيل وغربان الشراكة ـ يونس عودة

الثلاثاء 18 آب , 2020 10:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

من بوارج"الام الحنون"- فرنسا الى بوارج "العم سام" -اميركا ,الى بوارج احفاد بلفور البريطانيين ,الى فرق التحقيق الاجنبية ولا سيما "الاف,بي, اي", وكلها وصلت الى شواطئ لبنان وارضه على خلفية الانفجار الكارثي الذي لحق ببيروت ومرفئها, وتحت رايات الانسانية التي دبت فجأة في الضمير الغربي المسكون بروح الاستعمار وتفاصيله,يبقى  اللبنانيون, يتطلعون الى بارقة ضوء في عتمة وطنهم المنكوب على كل المستويات , سيما ان الأفق لا يبشر بالضوء المنتظر ,لأن الحرب على لبنان لم تنته فصولها , وكلما أقفل فصل ,تفتح فصول أشد قسوة .

لم يكن الفلتان الاعلامي الرخيص الذي نشر الوهن بين المواطنين ,والترويج لمقولة الدولة الفاشلة , منفصلا عما تسعى اليه الدول التي ارسلت اساطيلها الى لبنان , مع إعلان فاجر من تلك الدول بانها لن تتعامل مع السلطات اللبنانية في مسألة توزيع المساعدات , وانما عبر"الشعب", اي منظمات NGOs ذات المنشأ الغربي ولا سيما الاميركي بعد نجاح تلك المنظمات في أدارة الفتنة عبر تمويل التظاهرات التخريبية , وليس التظاهرات التي أراد الناس من خلالها التعبير عن وجعهم الاقتصادي والمالي والانساني , وغضبهم من السلطة العمياء التي راكمت المآسي منذ العام 1992.

لم تخف محطات الفتنة, الغاية الموكولة اليها باستهداف المقاومة بكل تشكيلاتها وفي المقدمة حزب الله, مركوزة على أمل واهم بان الساحة نضجت للانقلاب حتى لو وصل الامر للاستعانة باساطيل المتعددة الجنسية , ما دام الكيان الصهيوني غير مستعد لتكرار تجربة غزو لبنان في العام 1982, وغير قادر على توقع النتائج بعد فشل حربه, وهزيمته المدوية عام 2006, والتي لم يتمكن حتى الان من فك رموز الهزيمة رغم كل اللجان التي شكلها لتلك الغاية .

وللمفارقة والمقارنة فان القوى التي تطلب التدخل الدولي بعناوين مختلفة , هي وريثة القوى نفسها التي استنجدت بالاسطول الاميركي السادس بعد ان استنهض جمال عبد الناصر الروح القومية العربية بمواجهة الكيان الصهيوني وحماته الغربيين, وأنئذ ابلغ رئيس الجمهورية كميل شمعون وزير الخارجية الاميركية جون فوستر دالاس ان اللبنانيين يريدون الغرب وطلب المساعده من الولايات المتحده، واستجاب الرئيس الأميركي دوايت  ايزنهاور لطلبه في الحال.واعدت البحرية الأميركية خطة سريعة اسمتها "عمليه الخفاش الأزرق"وفي 18 تموز 1958 أحاطت بمرفأ بيروت 75 سفينة حربية من الأسطول السادس. وفي 25 تموز كان قد بلغ عدد الجنود الأميركيين على الأراضي اللبنانية 10600 عسكري. أمطرت الطائرات الأميركية، في 22 تموز، الأراضي اللبنانية آلاف المناشير بالعربية حملت صورة دوايت ايزنهاور( الرئس الاميركي)، ورسالة منه تشرح أهداف الوجود العسكري الأميركي بناء على طلب الحكومة الدستورية اللبنانية، محافظة على استقلال لبنان ومنع التدخل في شؤونه وتعريض أمنه للخطر، وأن الجيش الأميركي سينسحب فور استتباب الأمن وعودة الاستقرار والنظام إليه.

لقد شهد لبنان أواخر صيف ،1982 وضعا مماثلا وخرجت القوات المتعددة الجنسيات تجر اذيال الهزيمة مع إسقاط اتفاق 17ايار الذي كادت "اسرائيل" ان تفرض موجباته على لبنان باستدعاء من "القوات اللبنانية" ومشاركتها في الحرب ضد القوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية, ومن الاستحالة بمكان ان ينسى او يتجاهل اللبنانيون قصف البارجه "نيوجيرسي" الضاحية الجنوبية لبيروت ومواقع للحركه الوطنيه في الجبال، ولم يخرج المارينز من لبنان الا بعد تفجير مبنيين للقوات الاميركيه والفرنسيه..

هناك من يعتقد ان "القوة المتعددة الجنسيات" في نسختها الثانية، وإن لم تعلن عن نفسها رسميا، من غير المستبعد أبدا ان تكون حضرت لفرض امر واقع جديد على الارض اللبنانية، تحقق توازنا مع حزب الله تمهيدا لقلب هذه المعادلة.أو أن هناك رغبة واضحة لدى القوى الخارجية في تسييس الوضع، ومن خلال تفاقمه،بهدف تحجيم دور حزب الله السياسي ونزع سلاحه مقابل وعود بتقديم مساعدات مالية ومادية للبنان, وهي المعزوفة الدائمة على اسطوانة مشروخة لن تؤتي أكلها .فيما يردد الاميركيون أمام بطانتهم غير الموثوقة من جانبهم :" هذه القوات موجودة لحماية مصالحنا وللتعاطي مع أي وضع ناتج عن حالة طارئة",دون ان يلامسوا بكلمة المصالح اللبنانية,بما فيها المسائل الانسانية , و"الشركاء" في الوطن كأنما على راسهم الطير .بينما اللافت ايضا ما  نقلته صحيفة وول ستريت جورنال، عن مصدر أميركي لم تذكر اسمه: "البعض منا يأمل في أن نتمكن أخيرا من استغلال الحالة وزعزعة الوضع داخل النخب السياسية هناك".

بالمقابل فان الأكثر ترجيحا ان يكون الحشد البحري جزءاً من اللعبة الكبيرة المتجددة , والهادفة الى توسيع دور القوات الدولية وسيطرتها على المنافذ البحرية والجوية  مع إتاحة الفرصة لليونيفيل للتحقيق في كل حادث مثير للجدل يقع على الحدود اللبنانية مع فلسطين ، بما في ذلك الوصول إلى الأراضي التي لا تزال مغلقة أمام تلك القوات . وهوما تسعى اليه الولايات المتحدة، وتضغط بشدة من أجل تحقيقه , ولا يبدو انها ستفلح.

وبموازاة كل ذلك يبدو ان هناك شبه اجماع على أن القوى الاجنبية استغلت انفجار مرفأ بيروت , للاستثمار في السيطرة على المنافذ البحرية والموانئ من البحر الابيض المتوسط الى بحر العرب ,فالبحر الأحمر , وهناك تنسيق ثلاثي اميركي - فرنسي - بريطاني بهذا السياق بعد اعلان تركيا اصرارها على التنقيب في المياه التي تعتبرها ضمن أمنها القومي ما اجج المشكلات مع اليونان وقبرص اليونانية ومصر , وقد دخلت فرنسا جديا الصراع إلى درجة أن الرئيس الفرنسي ماكرون أرسل قوات عسكرية لمساعدة اليونانيين,بسبب سياسة تركيا العدوانية على جميع الجبهات ما أدى، إلى جذب لاعبين آخرين إلى هذا التحالف، من الراغبين أيضا في المشاركة في المظاهرة أمام شواطئ تركيا.

من هنا فان الوضع المحيط بلبنان لا يشي بغير مزيد من التأجيج , وقد اختار المستنجدون دوما بالخارج سواء من الغرب أو من "اسرائيل" ان يكونوا خدما للمشروع المناهض للوحدة الوطنية وقوة لبنان في قوته ومراكمتها , بينما الفريق الاخر الذي يسعى لمنع الفتن والانجرار اليها يواصل قضم الغضب النبيل، مثل النسر الذي سمح للغراب ان يركب على ظهره وهو في الجو , وكلما ارتفع النسر يخاف الغراب ,فينقر رقبة النسر خوفا من الارتفاع , والنسر لا يبالي بالازعاج ويواصل الارتفاع الى حين يصل إلى المدى الذي لا يتحمله الغراب لنقص الاوكسجين , فيهوي الغراب من تلقائه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل