تحصين الفساد ـ عدنان الساحلي

الجمعة 21 آب , 2020 12:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تعرف المرجعية التي تطالب بحياد لبنان أن مطلبها غير قابل للتحقيق. فهو شعار يقع ضمن نقاط الخلاف التاريخية بين اللبنانيين، لكنها تطرحه في هذا الوقت بالذات، ليس للإستهلاك بل في مسرحية لتحقيق أهداف أخرى، تعوّد أركان الدولة العميقة في لبنان على تمثيلها على اللبنانيين، عند كل شعور منهم بخطر محدق بهذا النظام.

من شروط هذه التمثيلية المتقنة، أن تخرج مرجعيات أخرى مقابلة ترفض أو تنتقد هذا الطرح، فتصطنع خلافاً متجدداً في الرأي العام، تأخذه به بعيداً عن همومه ومطالبه الحياتية والإجتماعية الملحة، فتنسيه ولو مؤقتاً أوجاعه، في سجال طائفي لتضليل الجائعين والمظلومين، لصالح خلافات ومناوشات وجدت منذ أن وجد لبنان. وتتكرر كلما ارتأى الحاكمون تكرارها، لإبقاء اللبنانيين مجرد قطعان طائفية تقودها مرجعياتها، بما يخدم مصالح النظام الذي ينتج تلك المرجعيات وتقوم هي بحراسته من كل خطر يتهدده.

ويمارس أهل النظام ألاعيبهم هذه خدمة لوجودهم وأدوارهم ومصالحهم. كما هي خدمة للنظام الذي يرعاهم. ومن أدرك مرحلة ما بعد إتفاق الطائف، يذكر تلك السجالات الطائفية التي كان أبطالها رئيس لم يكن يملك أي حيثية شعبية، بل كان يقال عنه "بياع بطاطا" وكان رئيس ميليشيا محلية في منطقته. ورئيس ثان كان خارجاً لتوه من حرب دموية داخل مكونه، خرج منها مهزوماً وخسر فيها دوره الأول شعبياً. ورئيس ثالث لم يكن أحد يعترف بلبنانيته، بل كان يوصف بأنه رجل أعمال آت من بلد آخر. وأدار الثلاثة تراشقهم حول الأدوار والأحجام والحصص بحرفة الخبير العارف. وتمكنوا من تفعيل عصبويات شوارعهم وطوائفهم، فإذ بالثلاثة يصبحون من ذوي الحيثيات الشعبية، لا بل باتوا زعماء في طوائفهم لا يشكك بهم أي خصم أو حسود.

واليوم ومثلما يحدث عند كل منعطف خطير، تتنطح مراجع الطوائف المتعامية عن سرقات أصحاب المصارف لأموال اللبنانيين وثمار أتعابهم وعرقهم، لأنها شريكتهم في هذا الإستثمار، لتلهي اللبنانيين بطروحات تبعدهم عن مطالبهم بضرورة إجراء إصلاح حقيقي لهذا النظام الفاسد البالي. فهل سمع أحد تلك المرجعيات التي تدعي حملها الأمجاد تطالب جمعية المصارف باعادة أموال المودعين اللبنانيين، التي قامرت بها عندما قدمتها على شكل قروض لأهل السلطة مقابل فوائد تفوق المنطق والخيال. وعندما إفتضح وصول السلطة إلى شفير الإفلاس، هرّبت المصارف والمرجعيات والزعامات ما تبقى من أموال اللبنانيين إلى الخارج.

وهل تستطيع تلك المرجعيات تبرير تجاهلها للضغوط الخارجية المترافقة مع مطالب بإصلاح شكلي؛ وهي أشبه بفرض إنتداب جديد على لبنان، إلا باعتبار هذا السكوت جزءً من دورها في حماية هذا النظام وأركانه. فما يرشح عن شروط ومطالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليس أكثر من إنقاذ لهذا النظام الذي اسسه المستعمر الفرنسي. فالإصلاحات التي يريد ماكرون فرضها على الحاكمين، الذين بات الخارج كله يصفهم علناً بالفاسدين، هي إصلاحات إجرائية لا تمس أسباب الفساد ومصادره. وكل من يعرف عطل هذا النظام اللبناني، من اللبنانيين أوغيرهم، يعلم علم اليقين، أن مشكلته هي في النظام الطائفي الذي أنتج محاصصة عصبها الفساد. وبالتالي، فإن الطائفية التي هي بيت المحاصصة، هي التي تحمي المحاصصة والفساد معاً. والمحاصصة في لبنان هي سر الفساد ومصنعه. وكل كلام عن إصلاح أو محاربة للفساد أو محاسبة للفاسدين، هي هراء لا طائل منه، ما لم يلغ النظام الطائفي لصالح دولة المواطنة والكفاءة وحكم القانون.

 لكن آخر حلقات تمثيليات أركان نظام الفساد، هي في السعي لاستعادة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى حضن السرايا، في تحصين لمنظومة الإفساد ولسلطات الفساد، القائمة على تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، بمنطق "وداوني بالتي كانت هي الداء"، فهل سيشترط الحريري أن يعود معه محمد شقير وفضائحه المالية، أم نحن مقبلون على "سوليدير" جديدة لإعمار ما دمره إنفجار مرفأ بيروت،على غرار إعمار وسط بيروت الذي دمرته حرب السنتين، فكان أن انتزعت الحريرية من أهله أملاكهم وطردتهم بعيداً وحققت استثمارات لها بعشرات مليارات الدولارات، على حساب مصائب اللبنانيين وآلامهم. وما هو نصيب وحصة الساعين لإعادة الحريري من هذه الصفقة. وهل يظن الفاسدون أن اللبنانيين سيسكتون على ترميمهم لنظام المحاصصة وتحصينهم لفسادهم المفضوح؟  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل