ماكرون أغاظ الماكرين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 04 أيلول , 2020 11:37 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بات واضحاً أن هناك رابحين وخاسرين من نتائج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية للبنان، خصوصاً أن الذين راهنوا على دور فرنسي مطابق للدور الأميركي العدواني ضد لبنان ومقاومته. وكذلك، الذين راهنوا على أن حرب الإفقار والتجويع ستدفع المقاومة وأهلها وحلفاؤها، بعيداً عن خياراتهم الإستراتيجية على مستوى لبنان والمنطقة، فشلت رهاناتهم بشكل مدو؛ وبان عجزهم وضعفهم عن تغيير الواقع الذي دفع اللبنانيون من دمائهم ثمناً لصنعه.   

جن جنون جماعة "إسرائيل جارتنا التي لا تشكل خطراً علينا"؛ وهم يسمعون مواقف وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي لم يستطع القفز فوق التوازنات اللبنانية القائمة، بل كان تمييزه للقاء بممثل "حزب الله" اعترافاً بواقع لا ينكره إلا مكابر، أو ساع لخلق توترات في لبنان تزيد مشاكله التي ينوء تحتها.

كانت تلك الجماعة تحلم بإسقاط العهد والغاء حليفته المقاومة، بقوة الأسطول الفرنسي، فقد طبلت وهللت لوصول حاملة طائرات فرنسية إلى مرفأ بيروت المصاب بالإنفجار المشؤوم. وهي من أصحاب السوابق في مثل هذه الرهانات، إذ تواطأت وراهنت على ضرب المقاومة وجمهورها بقوة العدوان "الإسرائيلي" دائماً، خصوصاً في عدوان تموز 2006. لكنها لم تكن تتوقع أن تأت مبادرة الرئيس الفرنسي، التي بدى واضحاً أنها منسقة مع الأميركيين، معترفة بالواقع اللبناني كما هو؛ ولا تعمل كما تعودت جماعة "عودوا وإستعمرونا" على قلب الواقع لمصلحة خياراتها السياسية والإقتصادية. حتى أن بعض الأصوات المحسوبة على رئاسة الجمهورية، أعلنت بوضوح أن مبادرة ماكرون تتبنى خارطة الطريق التي رسمها تيار الرئيس (التيار الوطني الحر) للإصلاح المالي والإقتصادي. وبالتالي، يمكن تسجيل بعض أبرز نقاط الخسارة والربح، على هذا الصعيد.

 أولاً: خسر الذين ظنوا أن ماكرون سيوصلهم إلى هدفهم بإسقاط العهد والحلول محله، عن طريق الإنقلاب على الأكثرية النيابية وإجراء إنتخابات مبكرة. فهم عملوا سابقاً بكل ما لديهم من قوة وألاعيب، في محاولة استعادة أكثرية نيابية قدمت لهم على طبق "الإتفاق الرباعي" عام 2005 وخسروها بجدارة النسبية والصوت التفضيلي عام 2017.

ثانياً: خسر الذين لوحوا بشعارات الفيدرالية أو "الحياد" ناشطاً كان أو نائماً، في محاولة منهم لفرض خياراتهم تحت التهديد بفرط  البلد. فالرئيس الفرنسي كان واضحاً في السعي لإنقاذ لبنان كل لبنان وليس جزءاً أو جناحاً منه. وهو أدرى بالتركيبة التي صنعتها فرنسا لتشكل منها الكيان اللبناني. كما هو أدرى بالوظيفة التي أرادتها بلاده للبنان. وبالتالي، فإن حفظ مصالح فرنسا يتقدم على مصلحة هذا وذاك ممن تعودوا على الظن أن "الأم الحنون" تعمل في خدمتهم. كما أن الدور الذي تقوم به فرنسا، هو بحد ذاته إسقاط لفكرة ومفهوم الحياد وتهميش لأصحابه.

ثالثاً: إن مبادرة ماكرون، تبين بما لا يترك مجالاً للشك، أن سياسة العقوبات الأميركية تجاه لبنان، فشلت في إخضاع شعبه ومقاومته. فالعقوبات الأميركية رمت إلى إفقار اللبنانيين وتجويعهم، على أيدي لبنانيين أعمى الفساد والتبعية قلوبهم، فظنوا أن السطو على أموال اللبنانيين وتهريبها إلى الخارج، سيدفعهم إلى رفع شعار "بدنا نعيش" بأي ثمن. بما يعنيه ذلك من تفريط بموقف لبنان في وجه العدو "الإسرائيلي". ومن قبول بالمطالب الأميركية والمطامع "الإسرائيلية" في أرض لبنان ومياهه وثروات الغاز الكامنة في بحره، خصوصاً تلك الواقعة على الحد البحري بين لبنان وفلسطين المحتلة. وكان الظن أن الضغط على اللبنانيين سيدفعهم للوقوف في وجه الخيار المقاوم؛ واستبداله بالخنوع والركوع أمام إملاءات المبعوثين الأميركيين. لكن هذا الظن خاب.

رابعاً: إن التدخل الفرنسي لإنقاذ لبنان إقتصادياً، يسقط أهداف ومرامي حرب "الإخضاع المالي" التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية على لبنان. كما يكشف مدى الحساسية الفرنسية والأوروبية تجاه التلويح اللبناني بالإتجاه شرقاً، لتعويض التخلي الغربي والأميركي عن دعم لبنان ومساعدته في أزمة كان هذا الغرب وأميركا أحد مسببيها، من خلال دعمهم وتبنيهم لوجود طبقة سياسية فاسدة تحكم لبنان وتديره في نطاق المصلحة الغربية وسياساتها وتحالفاتها.

خامساً: راهن أصحاب صفقة القرن ورعاتها، على أن هذه الحرب المتنوعة الأساليب على لبنان، ستمنع قواه الحية من إعلان موقفها بادانة مسلسل الخيانات التي ترتكبها بعض الدويلات الخليجية، في سعيها لتكريس إحتلال فلسطين من قبل الغزاة الصهاينة. خصوصاً أن المواقف الشعبية والسياسية والإعلامية اللبنانية، كانت دائماً سباقة في تصدر المواقف العربية المناصرة للحق العربي في فلسطين وغيرها.  لكن الصوت اللبناني بقي وفي مقدمه صوت قيادة المقاومة، صادحاً في فضح الخيانات وادانة المتخاذلين.

سادساً: جاء إنعقاد مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في بيروت، صفعة لأصحاب الخيارات "الإسرائيلية" والأميركية والخليجية. فهو أكد أن الواقع الذي أوجده الخيار المقاوم في لبنان، أقوى من أن تهزه رهانات من هنا ومؤامرات من هناك. وأن بيروت كانت وما تزال منصة وساحة للدفاع عن فلسطين وشعبها وحقه في وطنه. وكذلك عن كل القضايا العربية الصادقة والشريفة.

سابعاً وأخيراً: كشفت زيارة ماكرون حجم وتأثير القوى الرافعة للمطلب "ألإسرائيلي" بنزع سلاح المقاومة. وجاءت حادثة خلدة، على نسق ما جرى في أكثر من منطقة لبنانية سابقاً، من قبرشمون إلى الشمال والبقاع، لتكشف أن كل القوى السياسية والفئات الطائفية والمناطقية في لبنان مدججة بالسلاح. وبالتالي، فإن الحديث عن سلاح "حزب الله" مقصود به السلاح النوعي والصواريخ الدقيقة التي تخيف العدو "ألإسرائيلي" ليس إلا. مما يضع المطالبين بنزع هذا السلاح في خانة العمل لصالح العدو وخدمة مصالحه وتنفيذ مآربه في التصويب على سلاح يردع عدوانيته ولا يمكن استعماله في صراعات الداخل اللبناني.

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل