طبخة بحص الحريري ـ عدنان الساحلي

الجمعة 05 شباط , 2021 12:33 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تتواصل مسرحية تشكيل "حكومة مهمة". وكأن غير حكومات لا مهمة لها ولا عمل غير الوجاهة ونهب البلاد والعباد. وخير ما يتقنه رموز المافيا السياسية والمالية المتسلطة على حياة ومصير اللبنانيين، هو خداعهم وصرف أنظارهم عن واقعهم البائس. والهائهم عن الشعور بأوجاعهم. وإشغالهم بصراعات مفتعلة وقضايا ليست في صدارة همومهم.
عبثاً يسعى الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل حكومة، يحقق فيها حلمه ويكون عليها "أميراً سعودياً" حاكماً بأمره، لا شريك له، يأخذ البلاد إلى ما رسمته لها الأجندات الخارجية؛ وتحديداً الأميركية و"الإسرائيلية" والسعودية.
تلهي مافيا الفساد الحاكمة اللبنانيين، بافتعال صراعات بينها حول المحاصصة في الحكومة، مع أن المحاصصة هي رفيقة هذا النظام الطائفي منذ أن أنشأته فرنسا، ليكون صاحب وظيفة فتنوية وتقسيمية في المنطقة، خدمة لأهداف الإستعمار وعاملا مساعداً لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين وتأمين حمايته واستمراره. لأن "سايكس-بيكو" لا يمكن فصله عن وعد بلفور. إضافة إلى أنه نظام منتج للفتن والصراعات الداخلية، فمنطق المحاصصة ذاته، يؤدي إلى تفجر الصراعات كلما أحس طرف بتحسن قدرته على تعزيز حصته ودوره داخل السلطة.  
ويلهي تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف اللبنانيين، بالخلاف على تدوير زوايا إتفاق الطائف، الذي لم يقبل النافذون تطبيق كامل بنوده طوال ثلاثين عاما. فيما تتركز أعين الذين نهبوا إيداعات اللبنانيين في المصارف وهربوها إلى الخارج، على إستمرار سياسة الإستدانة عبر البنك الدولي وغيره. مقابل بيع أملاك الدولة، بعد أن سرقوا خزينتها وأفلسوها، عوضاً عن إستعادة الأموال المنهوبة وإقفال كل أبواب الهدر والسرقات، مثل التهرب الضريبي وتحرير بدلات إشغال الأملاك العامة ومداخيل الجمارك وغير ذلك، لأن القرار هو الإستمرار في نهب اللبنانيين وتجويعهم وتهجيرهم في بلاد الإغتراب، حتى تبقى المافيا سيدة مسودة.
والأهم أنهم يلهونهم عن حقيقة المقاصد من السعي لتشكيل حكومة "إختصاصيين" غير سياسية، يرأسها سياسي بامتياز وفئوي بجدارة وحامل أجندات خارجية تطال السياسة والمال والسيادة، لا يمكن تمريرها ما لم يتم الهاء اللبنانيين بقنابل دخان من هنا وبافتعال مشاكل من هناك؛ وباشعال حرائق سياسية وأمنية وارتكاب جرائم اغتيالات بين وقت وآخر.
آخر هم الحكام في لبنان، هو معاناة شعبهم من الجوع الذي يضرب الشريحة الكبرى منهم، في معاناتهم للحصول على ثمن لقمة العيش، بعد أن أسقط قصدا وعمدا سعر صرف العملة الوطنية ستة أضعاف،  ليصبح سعر الدولار الأميركي في حدود التسعة ألاف ليرة.
لكن أحد جوانب الحقيقة، أنهم يتصارعون على الحصص في الحكومة، لأنها ستكون حكومة آخر العهد التي ستشرف على إنتخاب الرئيس المقبل والمجلس النيابي الذي سيخلف الحالي. وستكون الحكومة التي ستفاوض على الأرض والمياه والثروة النفطية. وتلبي الشروط الأميركية والمطامع "الإسرائيلية" والإملاءات السعودية، بضم لبنان إلى طابور الزواحف المطبعين من العرب، المتدافعين لإرضاء الصهاينة والإعتراف بكيانهم المغتصب لفلسطين. وهي التي يراد لها أن توطن اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان. وهذا ثمن الرئاسة التي يسعى إليها سمير جعجع في دعوته لإنتخابات نيابية ورئاسية مبكرة. وكذلك هي ثمن زعامة سعد الحريري المهددة من الأقربين والأبعدين، ما لم ينفذ هذه الشروط. ومن يظن أن الحرب الأميركية على لبنان والمقاومة، قد تتراجع مع تغير الإدارة الأميركية، يكون واهماً. وإدارة بايدن لن تكون حمامة سلام، لخصوصية العلاقات الأميركية- الصهيونية.
والأخطر في سياسة "التماسيح" التي يعتمدها الحاكمون، أن حالة الإنتظار وتقطيع الوقت التي يمارسونها، هي فرصة لأصحاب المشاريع الفتنوية وأعمال التخريب، التي عادت تطل برأسها من جديد في أكثر من منطقة لبنانية. فيما مساعي تشكيل الحكومة مجرد "طبخة بحص"، طالما أنها لا تأخذ أولويات اللبنانيين ومعاناتهم؛ وكذلك خطوطهم الوطنية الحمر بالإعتبار.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل