قراءة في تحركات مصر بملف سد النهضة ـ فادي عيد وهيب

الأربعاء 10 آذار , 2021 09:09 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بات واضحا للجميع ان مشروع "سد النهضة" بإثيوبيا لم يكن بغرض التنمية والحصول على الطاقة وما خلافه، ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين ما تكلفه مشروع سد النهضة من أموال ووقت، بمشروع أنتهت منه مصر، كمشروع "بنبان" بمدينة أسوان (جنوب مصر)، لتوليد الطاقة الكهربائية من الشمس  بقدرة 2000 جيجاوات بتكلفة 2.5مليار دولار، وهو الأكبر في العالم من نوعه، والحاصل على جائزة أفضل مشروع في العالم من البنك الدولي 2015م، سيتضح جيدا ان الهدف من سد النهضة ليس حاجة إثيوبيا للطاقة الكهربائية، ولكنه حاجة النظام الحاكم في أديس أبابا للي ذراع مصر وتركيعها عبر تعطيشها.
وقال أكثر من مسؤول مصري بارز في وزارة الري المصرية، بأن الجانب الإسرائيلي قالها لهم صراحة اسمحوا بعبور مياة النيل التي وصلت لسيناء عبر سحارة سرابيوم (لدعم مشاريع مصر القومية بسيناء) لحدود إسرائيل ونحن سنوقف أي مشروع يهدد حصة مصر من مياة النيل بإثيوبيا.
اليوم لم يعد ملف "سد النهضة" للنقاش والحوار، فقد ماطلت إثيوبيا لسنوات طويلة في الحوار لكسب الوقت والإنتهاء من عمل السد، وفرضه على مصر كأمر واقع، ولم يبق إلا أشهر قليلة ويبدأ ملء الخزان الثاني لسد النهضة وهو ما سيمثل كارثة على دول المصب مصر والسودان، إن شرعت إثيوبيا في ذلك من دون الاتفاق والعمل مع القاهرة والخرطوم في طريقة ومواعيد التخزين.
وهنا غيرت مصر إستراتيجيتها تماما في التعامل مع ملف سد النهضة، فقامت بتخفيف التوتر على جبهتي قطر وتركيا ولو بدرجة دبلوماسية قليلة، وفي رسالتها للاخيرة ظن الحليف اليوناني ان القاهرة نقضت العهد مع أثينا وتحالفت مع أنقرة (وهو ما تجلى في عناوين صحف اليونان منتصف الاسبوع الماضي)، الى ان جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري عقب اجتماعات متتالية مع مجموعة من وزراء الخارجية العرب الاربعاء الماضي،  لتصحح البوصلة من جديد للحلفاء في أثينا.
ويحسب للخارجية المصرية بصنع محاور وتحالفات جديدة غير تقليدية، الامر الذي يخفف عليها حجم أي صدمة قد تأتي من دول التحالفات القديمة التقليدية، وهنا أقصد تحالف "الشام الجديد" و "شرق المتوسط"، فتحالف الشام الجديد هو سياسي أقتصادي بإمتياز، والأسم وحده يؤشر لظهور خريطة جديدة تتشكل من سيناء جنوبا حتى البصرة شمالا، اما شرق المتوسط مع اليونان وقبرص فهو يحمل كل الملفات ولكنه يبقى بصيغة إستخباراتية وعسكرية خاصة، لذلك هو منصة مصر الأولى وكذلك فرنسا لمواجهة تركيا.
من التهدئة الدبلوماسية على الجبهة الشمالية الى التأهب على الجبهة الجنوبية، أتبعت مصر خطواتها في التعامل مع ملف سد النهضة بصحبة السودان، بعد أن رجحت كفتها في الخرطوم لصالحهما على حساب قوى إقليمية ودويلات.
وقبل أن تعلن إثيوبيا الحرب (المرحلة الثانية لملء سد النهضة بيوليو/تموز القادم) ذهبت مصر والسودان في حرب مبكرة لإستعادة الأراضي السودانية المحتلة من المليشيات الإثيوبية، وهي الحرب التي حملت رسالتين الاولى ان القاهرة والخرطوم باتا طرفا واحداً وليس أثنين، والثانية ان اللجوء للسلاح ليس مستبعداً، وهو ما جاء بالتزامن مع الصدام بين الولايات المتحدة وروسيا على سواحل السودان، في ظل سعي كل منهما لفرض السيطرة على الرقعة الجديدة في حرب النفوذ الدائرة بينهم بالشرق.
وهنا لم يكن أمام أردوغان الحبشة، المدعو أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا غير طلب النجدة من الموساد الإسرائيلي، والمال والدعم من أحد الدول الخليجية المتحالفة مع إسرائيل مؤخرا، وهو نفس ما يفعله أبي أحمد عندما يقع في كل ورطة، وأخرها كان بإقليم التيجراي.
أما أردوغان تركيا نفسه، والذي يتحسس خطواته جيدا بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، فقد ذهب ليخفف من حدة التوتر مع فرنسا، عبر اتصال هاتفي الاسبوع الماضي، هو الاول منذ فترة طويلة مع نظيره الفرنسي، والذي جاء أهم ما فيه بعد كلمات تلطيف الأجواء، تذكير أردوغان لنظيره الفرنسي بالعلاقة التي كانت بين السلطان سليمان القانوني وملك فرنسا فرنسوا الأول، وهي الفترة التي كانت فيها فرنسا في أشد مراحل الذل امام الجميع، وتستنجد بالعثماني لحمايتها من نظرائها الأوروبيين، وكأن اردوغان يقول لماكرون أنت مهزوم كحال فرنسوا وليس منقذ لك غيري.
بالمقابل وبعد أن أبدى أردوغان منذ فترة لنتنياهو عن استعداده للتخلي عن حركة "حماس"، مقابل عودة العلاقات مع إسرائيل على جميع المستويات وليس الإستخباراتي والعسكري فقط الى طبيعتها المعتادة، وجه أردوغان رسالته لتل أبيب، التي ستحول اتجاه أنبوب غازها الى مصر، بعد ان كان مخططاً له ان يتجه لتركيا، بتغيير اسم دائرة "خدمات العمرة" إلى "خدمات العمرة وزيارات القدس"، والدلالات سهلة وواضحة من العنوان.
ولا يفوتنا هنا المد التركي على صعيد "المشروع الطوراني"، والأيام القليلة الماضية شاهدة على البوسنة وجورجيا، وهو المشروع المدعوم أيضا من الغرب كحال مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، وأن كان الفرق أن المشروع الأول على حساب روسيا، فالثاني على حساب العرب، ولكن في كلاهما الانجلوسكسون يريد للإسلام الأطلسي أن يحكم من المغرب وحتى أطراف الصين، وهو الحلم الذي من أجله يسابق أردوغان الزمن مع إقتراب عام 2023م حيث مرور مئة عام على معاهدة لوزان وإنتهائها، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية بتركيا.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل