موسم تصعيد و"الداخلية" كاشفة النوايا ـ عدنان الساحلي

الجمعة 06 آب , 2021 11:12 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يعيش لبنان والمنطقة موسم تصعيد يشبه مقدمات الأحداث التي إعتدنا حصولها، فإما أنها ستوصل إلى تفاهمات حول الأزمات المشتعلة، أو ستؤدي إلى مجابهات وحروب. والمراوحة دائمة بين القوتين الناعمة والخشنة. والصراع قائم في أحد الإتجاهين: إما الخضوع لإرادة أهل العدوان، وإما صمود أصحاب الحق وإنتصارهم، رغم الكلفة الباهظة التي لا بد من دفعها.  
وبعيداً عن حادثة الباخرة في خليج عمان، أو مباحثات فيينا للعودة إلى الإتفاق النووي بين إيران والدول الخمس، جاءت التطورات اللبنانية بدءاً من "كمين خلدة" الدموي، إضافة إلى الكباش الحاصل حول تفاصيل تشكيل حكومة ميقاتية جديدة، تخلف الحكومة المستقيلة، ثم القصف "الإسرائيلي" المدفعي والجوي على مناطق عدة في الجنوب، لتؤكد إصرار دول الضغوط والحصار على لبنان في السير بمخططها، وصولاً إلى تحقيق غايتها بفرض خضوع لبنان للمشيئة الأميركية، بما تقتضيه المصلحة "الإسرائيلية"، إن كان في الترسيم البري والبحري وفق "خط هوف"؛ وفي فرض الأتاوة الأميركية و"الإسرائيلية" على النفط والغاز اللبنانيين، قبل السماح باستخراجهما من البلوكات البحرية، أو في فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين؛ ونزع قوة لبنان وضمانته في هذه المرحلة وهو سلاح المقاومة.
فجريمة خلدة الموصوفة، هي باعتراف شبه عام، كانت مخططاً لجر المقاومة إلى صدامات داخلية طائفية ومذهبية، تكشف ظهر المقاومة وتكون مقدمة لعدوان "إسرائيلي"، لا يجروء العدو على تنفيذه، قبل أن يلاقيه عملاء الداخل في إشغال المقاومة وارباكها. وعندما أفشلت المقاومة هذا "الكمين" بوضعها الحادثة في كنف الدولة وأجهزتها، كاد المريب أن يقول خذوني، حيث بدى لافتاً حجم الرد "الإسرائيلي" المدفعي الكثيف، ثم إلحاقه بغارات جوية على مناطق، إدعى العدو أنه جرى إطلاق بضعة صواريخ منها على مستعمراته. علماً أنها ليست المرة الأولى التي تطلق فيها مثل تلك الصواريخ، التي لم توقع أضراراً تذكر؛ ولم تواجه بمثل هذا التصعيد. فهي كما يصفها قادة العدو رسائل سياسية ، يرجحون أن فصائل فلسطينية تقف خلفها. وكأن جيش الإحتلال يعترف بأنه في تصعيده بالقصف، يريد التعويض عن فشل أدواته في إشعال فتنة تشغل المقاومة وتعطل قدراتها في مواجهة عدوان ينتظر الفرصة لتنفيذه. ولعل هذا العدو يرى الظرف ملائماً لتغيير قواعد الإشتباك، ظناً منه أن الوضع الإقتصادي اللبناني الضاغط وحالة الفقر التي يعاني منها اللبنانيون عموماً، إضافة إلى التطورات التي تمر بها إيران؛ ومشاركة الروس في إدارة الأزمة السورية، لا تشجع حزب الله على الرد بقوة على التصعيد "الإسرائيلي"، خوفاً من الدخول في حرب مفتوحة، يتحسب لها الطرفان ويحاولان تجنبها ما أمكن.
أما لجهة الحرب الناعمة، التي لم تتوقف بدورها على اللبنانيين، خصوصاً في هجمة الإفقار والتجويع التي يشنها الأميركي وأتباعه من دول غربية وعربية، فإن تصريحات المسؤولين الأميركيين والفرنسيين العلنية (باعتبار إدارتي البلدين تتنطحان للإمساك بنواصي الملف اللبناني)، تؤكد توجه الدولتين المذكورتين ومن يدور في فلكهما، للتدخل في الإنتخابات النيابية المقبلة، التي ستعقبها إنتخابات رئاسية. والحديث يطول عن إستخدام نفوذ تلك الدول وأموالها، خصوصاً أموال أتباعها من عرب النفط، ليس لتحقيق إصلاح مزعوم في الإدارة اللبنانية، أو لمحاسبة الفاسدين من أهل السطة والنفوذ، فأموال هؤلاء المسروقة من جيوب اللبنانيين ومن خزينة دولتهم، موجودة في المصارف الأوروبية وتحت أعين أهل القرار فيها. ولو كانوا حقاً ضد الفساد في لبنان، لصادروا أموال الفاسدين وشهروا بهم. وحتى في التحقيقات الجارية في الإنفجار الذي وقع منذ عام في مرفأ بيروت، من المهازل أن دولاً مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وباقي الدول الأوروبية، لا تعرف ما الذي جرى وكيف، أو لمن تعود مادة النترات وكيف فجرت؛ فمخابرات تلك الدول سبقت أجهزة الدولة اللبنانية في الحضور وانجزت تحقيقاتها؛ وأقمارها الصناعية تحصي شعر رؤوس الناس في بيوتها، فهل غابت عن تسجيل تفاصيل ما جرى. وبوارج القوات الدولية التي لا تغيب عن شواطئنا، كيف بها لا تعرف نوع حمولة الباخرة التي نقلت النترات ولم تتحسب لما جرى.
   لكن ومثلما تحور كل القضايا في لبنان والمنطقة، تخفى حقائق وتفتعل أحداث وتزور وقائع، لتنكشف غايتها الأساس في إستهداف سلاح المقاومة، الذي يقلق العدو "الإسرائيلي" وحماته ومموليه، في الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي وأتباعهم من حكام دول نفطية عربية. هؤلاء الأتباع الذين ظنوا أن الوقت مناسب لكشف حقيقة ولائهم وخضوعهم للغزوة الصهيونية، التي تتمركز في فلسطين وعينها وأطماعها على كل المنطقة العربية وثرواتها.
من هنا يصبح ضرورياً إنتظار ما ستؤول إليه جولات "التفاهم"، بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، الذي يعوقه الخلاف شكلاً على عدد من الوزارات؛ وضمناً على وزارة الداخلية بالتحديد، لأنها ستكشف نوايا التدخل الخارجي في الشأن الداخلي اللبناني وحجمه وأدواته. هذا التدخل الذي يحمي رجالاته من رموز الفساد؛ ويمنع حصول تغيير حقيقي يطمح إليه اللبنانيون، للخلاص من تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وعملاء السفارات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل