جعجع يقلد بشير ـ عدنان الساحلي

الجمعة 20 آب , 2021 12:19 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

إعتاد رئيس "حزب القوات" سمير جعجع على السير في خيارات خاسرة، لم تبدأ من شعاره "حالات  حتماً" فحسب، مروراً بوثيقة معراب، بل تعدتها إلى محاولة تقليد قائده الأسبق بشير الجميّل، في التخطيط للوصول إلى رئاسة الجمهورية، في بلد يتبادل فيه العداء مع معظم شعبه؛ وتفصل بينه وبينهم قنوات مملوءة بدماء ضحايا، تتراوح بين أشخاص إغتالهم جعجع وقبله بشير، أوقتلوا في معارك قادها الإثنان على التوالي، كان القتل والخطف وزهق الأرواح والإنتقام، يتم فيها على الهويات الطائفية أو المناطقية أو السياسية، أو كلها معاً. خصوصاً أن تلك الحروب كانت تلبية لمخطط أميركي وضعه وزير خارجيتها الأسبق هنري كيسينجر؛ ومولته المملكة السعودية وحليفاتها الخليجيات، لضرب وتعطيل كل عمل مقاوم يشكل خطراَ أو أذى على العدو "الإسرائيلي"، الذي يغتصب فلسطين ويهدد بشروره كل جوارها العربي. 
    في مسيرته السياسية والعسكرية يبدو جعجع مقلداً بجدارة، تنقصه موهبة الإبداع وقدرة الإبتكار. ولعل أبلغ دليل على ذلك، عجزه عن أخذ العبر مما آلت إليه أموره، في أكثر من محطة مفصلية في حياته وحياة لبنان، إحداها الحكم عليه بالسجن المؤبد لمسؤوليته عن إعمال قتل واغتيال وتفجير، راح ضحيتها كثيرون بارزون ومغمورون، أبرزهم رئيس حكومة لبنان الشهيد رشيد كرامي. لكن جعجع خرج بعفو سياسي وليس قضائياً، بعد إحدى عشرة سنة قضاها في سجن عسكري تحت الأرض، ليعود إلى سيرته في تدفيع لبنان ثمن مغامرات ورهانات، لم تحقق يوماً غير الفشل الذريع.
    يكرر جعجع تجربة بشير الجميل، التي أوصلته عام 1982 إلى الفوز برئاسة الجمهورية، بحماية الدبابات "ألإسرائيلية" مباشرة، إثر إجتياحها للبنان، الذي كان مقرراً "إسرائيلياً" إلى شمال الليطاني، لإبعاد صواريخ المقاومة الفلسطينية عن المستعمرات الصهيونية. فكان طلب بشير من جيش العدو الوصول إلى بيروت، لضرب القوى الوطنية المناهضة "لإسرائيل"؛ والرافضة بأي شكل ترئيس قائد ميليشا "حزب الكتائب" على البلاد. فكان له ما أراد، مقابل توقيعه إتفاقية سلام مع العدو، يعترف فيها بكيانه غير الشرعي. لكن يد حبيب الشرتوني المقاوم كانت أسرع، حيث قتل بشير في تفجير قبل أن يتسنى له تسلم قصر بعبدا. فاكمل أمين الجميل مسيرة أخيه، بعد إنتخابه رئيساً. ووقع أمين إتفاق 17 أيار الخياني، الذي أسقطه الوطنيون والعروبيون، بدعم مباشر من سورية وقائدها في تلك المرحلة الرئيس الراحل حافظ الأسد، في زمن روسي موآت، حكم فيه رئيس المخابرات السوفياتية الأسبق يوري أندروبوف قصر الكرملين.
     يراهن جعجع حالياً، مثلما فعل بشير، على علاقات خاصة، عمل على تنميتها مع المملكة السعودية. يتقاطعان فيها في العداء لكل مقاومة ضد العدو "الإسرائيلي"؛ وفي التبعية للسياسات الأميركية في المنطقة والعالم. وعلى دعم وجود أنظمة تسير في هذا المنحى. وبات جعجع حالياً، يتقدم على رموز وزعماء الطائفة السنية المقربين من السعودية، كمعتمد لها في لبنان.  
 كما يراهن على عمل عسكري "إسرائيلي"، كما بشير حرفياً، يتخلص فيه من المقاومة وقوتها المتفوقة عسكرياً وشعبياً، ليصل بعدها إلى قصر بعبدا، على رأس مشروع "إسرائيلي" لاستتباع  لبنان والمنطقة، بتواطؤ أنظمة التطبيع العربية وكل من يتبع السياسات الأميركية؛ ويخشى على حكمه من الغضب الأميركي واليد "الإسرائيلية" الطويلة. لكن الحسابات "الإسرائيلية" مقابل قوة المقاومة الرادعة، تخيبان آمال جعجع حتى الآن. 
ويراهن جعجع على رفع سقف التطرف المسيحي، لحرق خصمه "التيار الوطني الحر" شعبياً، فيزيح بذلك أقوى خصم له في ساحته. وهو ما فعله بشير مع أخصامه المسيحيين، بدءأ من كميل شمعون وصولاً إلى طوني فرنجية وإيلي حبيقة وغيرهم. من دون أن ننسى أن جعجع والمملكة السعودية، خسرا رهانهما على قيام عمل عسكري أميركي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، الداعم الأساسي لقوى المقاومة في المنطقة، نتيجة خسارة حليفهما الأحمق دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية ألأميركية الأخيرة. وميل خليفته جون بايدن إلى تركيز جهوده في الصراع ضد الصين في بحرها الجنوبي. 
يحمل سمير جعجع مطامع وأوهاماً ورهانات أكبر من أن تطيقها قوته المحدودة، أو دوره المكروه من قبل أكثرية اللبنانيين، بمن فيهم من حالفه في يوم ما. حتى أنه تبادل مؤخراً نشر الغسيل الوسخ على السطوح، مع "تيار المستقبل" بزعامة رجل السعودية الأول في لبنان، سابقاً، سعد الحريري. بعد أن خسر تفاهمه مع "التيار العوني"، فيما يستمر صراعه مع آل الجميّل، تحت جمر الزعامة والصراع على من يرث "حزب الكتائب"، الذي خرجت "القوات" من رحمه وتهدد بالغاء وجوده، فتلغي بذلك دور آل الجميّل السياسي.
هي رهانات، يعتمدها جعجع في تقليد للفكرة العونية بترئيس "الأقوى في طائفته"، لذلك يطالب باستقالة مجلس النواب وتنحي رئيس الجمهورية؛ وإجراء إنتخابات مبكرة، يحلم فيها بتغيير الأكثرية النيابية، لتكون رافعته للوصول إلى رئاسة الجمهورية. لكن يبدو أن ذلك أصعب إلى التحقق، من بقاء هذا الكيان الذي صنعته فرنسا مشوهاً، لأنه مهدد بأن يضمحل ويغيب عن الوجود، بفعل نظامه الطائفي والتحاصصي المنتج للفتن والمشجع للمغامرين أمثال سمير وبشير ومعظم من سعى إلى رئاسة جمهورية، لم تحمل يوماً شيئاً من مقومات الوطن، غير تسول الدعم والحماية من الخارج الذي يستغل هكذا بلدان لتمارس أدواراً وظيفية في خدمته.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل