نظام فاسد لا ينتج ملائكة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 27 آب , 2021 02:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

عبثاً يؤدي كومبارس النظام باقنعتهم المختلفة، مشاهد رجم الفساد والتبروء منه. وعبثاً يحاولون تصوير أن الفساد أشخاص وسير فردية وأخلاقية، في حين أن المرض "بيئي" تنشره طبيعة نظام المحاصصة الطائفية، التي يكون حبل سرة مولودها حمايات تظلل الفاسدين؛ و"خطوطاً حمر" ترسمها مرجعيات المحاصصة ورموزها، فوق رؤوس من ينكشف فساده وينفضح دوره. فيما تبرز الزبائنية شكلاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الزعيم والأتباع.

واللافت في سيرة الفساد، التي عمت البلاد وأهلكت العباد، أن الكل يتحدث عنها ويرجمها، حتى الذين تفوح رائحتها من جيوبهم ونفوسهم ومناصبهم. وكأن الفساد سيرة غابرة يرويها حكواتي في مقهى وليست معاناة يومية للناس؛ أو أن الفاسدين "أشباح" غير مرئية، في حين أن الناس، كل الناس في لبنان، باتت تشير بالبنان للفاسدين وتعرفهم "حلة ونسباً"، فهم الذين سرقوا مال الدولة؛ وهم الذين قاموا ب"الهدر" وهو المصطلح المخفف للإستيلاء على أموال المشاريع وصرف أضعاف أضعاف قيمتها الفعلية. وهم الذين يحمون المصارف وأصحابها بعد أن إستولت على أموال المودعين وهربت أرصدتها إلى الخارج، الذي يحمي أموالها الحرام في مصارفه. والفاسدون هم الذين يوظفون وزراء ونواباً فاسدين؛ وهم الذين تغشاهم مظاهر الثراء بعد توليهم المناصب العامة. وكذلك هم الذين يتدخلون في عمل القضاء ويحمون الأتباع وينكلون بالمعارضين.

وهذا النظام وفق هذا التكوين، الذي أنشأه المستعمر الفرنسي ليؤدي دوراً وظيفياً في خدمته، يوزع فيه المكافآت مناصب وخدمات وإقطاعات سياسية وطائفية، لكبار القوم ووجهاء القبائل ورموز الطوائف، ما زال هو السائد، على الرغم من الرحيل الشكلي للمستعمر، الذي ناشده البعض مؤخراً ليعود إلى إستعمارنا، أو بالأحرى "إستحمارنا"، لأن صنائعه من السياسيين والمتزعمين وأبنائهم وأحفادهم، أسوأ في تعاملهم مع الرعية وإستغلالهم لها من المستعمر ذاته. فيما الإقطاعات المالية التي جرى توزيعها وكالات حصرية للشركات الأجنبية التي يملكها المستعمر، تمارس جبروت تحكمها بالقوانين التي فصلت على قياس مصالحها، بعد أن جعلت من قادة البلاد وزعمائها، أو المقربين منهم، مجرد باعة ومسوقين لبضاعة هذا المستعمر؛ وسماسرة عنده يروجون ما تنتجه شركاته وياخذون نسبتهم المحددة من الأرباح. لكنهم ليسوا مثل أي تاجر، لأنهم يستغلون سلطاتهم ونفوذهم ليمارسوا جشعهم واستغلالهم لحاجات الناس، كما يحاربون كل منتج وطني، فيحققون أرباحاً طائلة لا يستطيع تاجر مهما بالغ في جشعه أن يحصلها، فيما لو كان يعمل تحت سقف قوانين تحمي المواطن وترسم خطاً عادلاً يفصل بين التاجر والمستهلك.  

وللنظام مؤسسات قمعية وعسكرية، تبقى في خدمته، حتى لو جوعها الحكام. تضاف إلى ما تصنعه الزبائنية، فللزعماء ميليشياتهم وحراسهم ومرافقي نسائهم وأولادهم. والكل حاضر ليقمع كل من يعترض ويرفض هذا الواقع المزري وغير الإنساني، بل وغير الأخلاقي والبعيد كل البعد عن الوطنية ومبادئها وشعاراتها؛ والمناقض للمصالح العامة وثوابتها في كل زمان ومكان.
هذا النظام، منذ إنشائه، حمل معه بذور عذاب شعبه وطقوس الفساد في حكامه. لأنه أنشىء على أسس طائفية ولوظيفة خارجية، لا علاقة لها بهموم وبتطلعات اللبنانيين. وطائفية النظام والمحاصصة فيه هي شرط لمشاركة مختلف الأطراف الطائفية اللبنانية فيه. فهي تعبير عن توازنات قوى وليست  رؤى عدالة ومساواة تنظم حياة شعب بأكمله.

والفاسد في هذا النظام، هو كل من يمنع المحاسبة والعقاب عن المرتكبين، بحجة "ليش نحن وليس غيرنا". أو وبكل وقاحة، يعتبر ملاحقة فاسد أو مجرد فتح ملف فساده، تعدياً على الطائفة ودورها وحقوقها. وهذا يتكرر عند كل منعطف وفي كل المراحل. وهو إعتراف بأن الفساد بذاته محاصصة، يتم توزيع أنصابها وريعها على زعماء الطوائف ومرجعياتها. ولذلك وجدنا من يرفض من دون خجل، الأخذ بمطلب "التدقيق الجنائي" المحاسبي، لمعرفة أين وكيف صرفت أموال اللبنانيين العامة، لأن كشف الحقيقة سيسقط الهيكل على رؤوس كل الفاسدين والسارقين. 

واللبنانيون أمام حقيقة ساطعة؛ وهي أن أي تغيير سياسي في لبنان مستحيل، ما لم يتم الخلاص من هذا النظام الطائفي ومن المحاصصة والزبائنية، التي تحميه وتحمي فساد أركانه. فأركان الطوائف هم أصحاب الحصص وهم رموز الفساد وشركاء أصحاب المصارف وكبار الأثرياء في نهب البلاد والعباد. ولا مجال للإنتقال إلى نظام المواطنة والكفاءة في ظل هذا التقاسم الوظيفي بين دور النظام وبين الريع الذي يحققه حراسه وأركانه. وهذه الأدوار الوظيفية، تدفع الفاسدين للمراهنة على كل مصدر للقوة يتواصلون معه فيحميهم ويحققون له أغراضه، قريباُ كان أو عدواُ. ولا ينسى اللبنانيون ذلك الرهان الخبيث، الذي اعتبر أن دفع لبنان إلى الإنخراط في مشاريع التطبيع مع العدو الصهيوني، هو السبيل للإيفاء بكل ديونه، بواسطة أموال أنظمة التطبيع، التي مولت تآمر الغرب وتدخلاته؛ ودمرت بلداناً عربية بكاملها، حتى لا تكون عثرة أمام تشريع الوجود الصهيوني عربياً وإسلامياً. فالفساد صنو الخيانة ودروبهما لا فاصل بينها.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل