أخطبوط الفساد ـ عدنان الساحلي

الجمعة 08 تشرين الأول , 2021 02:11 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يكتشف اللبنانيون ولو متأخرين، أنهم فريسة مافيات وكارتيلات متنوعة المهام والأدوار، تلتقي كل مجموعة منها، كأذرع الأخطبوط، عند رأس واحد، يدير وينسق التهامها لخيرات البلاد وإمتصاصها دماء الشعب من دون كلل أو ملل، أو شفقة ورحمة.

ويصدم البعض، إلى درجة عدم التصديق، من التناسق والتنسيق الجاري على صعيد تنفيذ المسؤولين لإملاءات صندوق النقد الدولي، مسبقاً وقبل التفاوض الشكلي معه. وكذلك أخذهم بمطالب مؤتمرات "سيدر" وأوامر المندوب الفرنسي- الدولي بيار دوكان، أو رئيسه إيمانويل ماكرون. ففي ظل وجود حكومة أو من دونه؛ وبغض النظر عن إسم رئيسها، أو أسماء وزراء الطاقة والإقتصاد والمال وإنتماءاتهم، تسير خطة رفع الدعم عن الحاجات الأساسية للبنانيين، من محروقات وادوية ومواد غذائية، بعدما ساهم المعنيون المذكورين عن قصد وتعمد، في صرف الأموال المخصصة للدعم لصالح أرباح التجار والمستوردين، لأن هؤلاء هم شركاء أو ازلام أولياء أمر أولئك الوزراء، فيما كان القصد منها إراحة محدودي الدخل. كما يجري "تطفيش" الموظفين مدنيين وعسكريين من أعمالهم، بفعل سقوط قيمة رواتبهم. وترفع أسعار كل الحاجيات والسلع، إلى درجات خيالية، عقاباً للناس على رفضها للنظام الإقتصادي الريعي الذي تعتاش منه تلك المافيات، عوضاً عن تطبيق نظام الرعاية، الذي تقوم به الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها.  

ولنعد إلى الأصل، فلم يكن مغالياً ذلك الذي وصف المجلس النيابي بأنه كناية عن ستة أو سبعة نواب فعليين، هم زعماء الكتل النيابية وقادتها السياسيون؛ والباقون مجرد "موظفين نواب" عند الأولين، ينفذون أوامر وسياسات زعمائهم ويحفظون لهم مصالحهم؛ ويسعون أمامهم لتنمو تلك المصالح وتتشعب على حساب الرعية المغلوب على أمرها، بفعل الوباء الطائفي المعتمد قصداً في صيغة الحكم، لكي تبقى المافيات مسيطرة ومتحكمة، فيما الشعب مقسم ومتصارع بإرادته أو رغماً عنه. فالنظام اللبناني، بل ولنقل الكيان من اساسه، يقوم منذ أن أنشأه المستعمر الفرنسي بدور وظيفي في خدمة قوى الهيمنة والتسلط العالمية، التي بدورها تحمي رموز الدولة والنظام، الطارىء منها والعميق المتجذر، في سطوها على مقدرات وخيرات البلد والناس. 

ولو أخذنا أمثلة من عمل أذرعة هذا الأخطبوط المتحكم، لعرفنا كيف تتم عملية إفقار وتجويع اللبنانيين وسرقة أموالهم؛ وتنفيذ حرفية مطالب صندوق النقد الدولي. فيما يقوم بعض الإعلام بالترويج والتضليل في إيقاع منظم ومتفاعل، يجعل الناس في شبه غيبوبة وإستسلام، كالمضروب على رأسه أو السكران، لا هو صاح ولا هو قادر على الفعل ورد الفعل. 

ولو نظرنا إلى قطاع النفط والمحروقات بتمعن، لوجدنا أن المتزعمين والسياسيين، أركان تحالف زعماء الطوائف واصحاب المصارف، الذي قاد لبنان منذ "إستقلاله" المزعوم عن فرنسا حتى اليوم، حتى لو تغيرت وتبدلت أسماؤهم كأشخاص، هم أنفسهم المسيطرون على سوق وشركات تجارة إستيراد المحروقات وتوزيعها. وهم الفاعلون والمستفيدون من السياسات المعتمدة في الهدر وفي تخريب قطاع الكهرباء ورفض ترشيده، بتعطيلهم بناء محطات جديدة لإنتاج الطاقة. ورفضهم استبدال استخدام المحروقات الغالية الثمن كالفيول والمازوت، بالغاز الأرخص ثمناً والأقل ضرراً للبيئة. وهذه  المافيا المتحكمة بسوق المحروقات، هي نفسها تتولى توظيف أزلامها ليديروا مؤسسة كهرباء لبنان، فتنهار خدمات المؤسسة، بما يتيح المجال أمام هذه "الكارتيلات" إدارة سوق أكثر ربحية، هو سوق إنتاج الطاقة بواسطة مولدات الأحياء. وما أصحاب تلك المولدات سوى أزلام وأتباع تلك المافيا السياسية – المالية- المتغطية بستار الطوائف ومصالحها. بعد أن حولت الطوائف إلى حصون للفساد، فهي بيت المحاصصة وحاميها، فيما أبناء الطوائف هم ضحية تلك الزعامات ومحاصصاتها وسياساتها. 

ولو نظرنا إلى القطاع التربوي كمثال آخر، لوجدنا أن وزراء التربية هم في معظم المراحل، أصحاب مؤسسات تربوية خاصة، أو ممثلين لأصحاب إحدى تلك المؤسسات. وبالتالي، فإن من يفترض به حماية ورعاية التعليم الرسمي، هو خصمه الطبيعي بتناقض المصالح. والتعليم الخاص في لبنان يتحرك منذ بداياته بشكل "لوبي" وقوة ضغط، تفرض شروطها وتغلب مصالحها على ما عداها. يكفي أنها فرضت على اللبنانيين أن يدفعوا لها من أتعابهم جميعاً، بدل "منح تعليمية" تتمول منها تلك المؤسسات من حساب مالية الدولة، المفترض بها تمويل التعليم الرسمي وجامعته الوطنية، لكي يكون التعليم في خدمة لبنان ومصالحه، لا في خدمة الطوائف والإرساليات التبشيرية ومدارسها وجامعاتها، المخصصة لإنتاج أجيال تعمل في خدمة أصحاب تلك المدارس وسياسات مموليها. فجامعات لبنان الخاصة والقطاع التربوي الخاص فيه، هم إحدى ركائز النظام الطائفي اللبناني ومحاصصاته. في حين أن اللبنانيين قدموا تضحيات غالية ونضالات طويلة، لإنشاء التعليم الرسمي وجامعته الوطنية، في وجه حرب مفتوحة تشنها عليه مؤسسات التعليم الخاص، التي حققت نجاحات، برعاية وزراء التربية، في ضرب التعليم الرسمي في مراحله الحضانية والإبتدائية والتكميلية. وهي تعمل بجهد للتخلص من التعليم الرسمي الثانوي والجامعي، لصالح دكاكين الجامعات الخاصة التي تنمو كالفطر؛ والتي فشلت جميعها حتى الآن، في أن تكون أكثر كفاءة من الجامعة الوطنية. أما من يتحدث عن الرسالة التربوية، فليحدث الناس عن الثروات التي تجبى من هذه "الرسالة". وعن الأملاك والمؤسسات الكبرى التي تنشأ على هامش الإستثمار في التربية والتعليم. وعن التبعية السياسية الخارجية لتلك المؤسسات.

وما يقال عن التربية ينطبق على الإستشفاء وغيره، فالقضية أن هذا النظام برموزه الفاسدة يسلم البلد والناس لمافيات همها الإستثمار وتحقيق أعلى الأرباح. في حين أن تجربة المستشفيات الحكومية في مواجهة جائحة كورونا، أثبتت أنها ملجأ المواطن ومقصده لمعالجه آلامه وجراحه، عندما تتوفر لها إدارة وظروف عمل بشفافية ورقابة ومحاسبة. وفارق كبير بين من تكون وظيفته خدمة الناس؛ وبين من يستثمر في مشاكل المواطن وأوجاعه ليضاعف ثرواته.

أما الأصوات الخارجية والدولية المدعية الحرص على هذا النظام وإصلاحه، فهي مكشوفة أمام اللبنانيين، فلو كانت صادقة وتريد مساعدة اللبنانيين على التخلص من الفساد والفاسدين، فإن أموال هؤلاء تحت أياديها. وأقصر الطرق لخدمة اللبنانيين، يكون بمصادرة تلك الأموال المنهوبة وإعادتها إلى خزينة الدولة، فيتخلص اللبنانيون من أصحابها ومن شرورهم.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل