قراءة في كواليس الصراع العسكري والمدني بالسودان ـ فادي عيد وهيب

الخميس 28 تشرين الأول , 2021 09:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

صباح يوم الاثنين الماضي أعلن الجيش السوداني بقياده الفريق ركن عبد الفتاح البرهان الاستيلاء على مقاليد السلطة في البلاد، بعد وضع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في الاقامه الجبرية، واعتقال معظم أعضاء مجلس الوزراء السوداني وعدد كبير من قادة الأحزاب المناصرة للحكومة، وأهم ما جاء في بيان الفريق البرهان، بعد ساعات قليلة من اعتقال عبد الله حمدوك، اعلان حالة الطوارى فى جميع انحاء السودان، وتعليق العمل بالمواد ١١- ١٢ -١٣ -١٤ ٢٢ من الوثيقة الدستورية، وحل مجلس الوزراء، وحل مجلس السيادة الانتقالي، واعفاء ولاة الأقاليم ووكلائهم، وتجميد عمل لجنة التمكين.

ذلك المشهد لم يكن مفاجئا لأحد سواء في خارج السودان أو داخله، فالكل يعلم حجم الاختلافات والتناقضات بين شريكي الحكم (المكون العسكري ونظيره المدني)، وان لحظة الطلاق الرسمي قادمة لا محالة، ولكن كان الكل ينتظر متى ستكون، وكيف ستكون، أي بمعنى توقيت فرض المكون العسكري هيمنته على البلاد، ومن الداعمين له في الخارج، في ظل دخول السودان على طاولة اللعبة الاميركية الروسية، عندما أعلنت موسكو إنشاء قاعدة بحرية عسكرية لها في ميناء بورتسودان بمنتصف العام، قبل ان تتدخل القيادة الامريكية لقوات الافريقوم على الخط لتعطل المخطط الروسي.

وحقيقة الأمر، فإن المكون المدني لديه مشاكل بالجملة بداية من عدم إتفاق افراده على شيء إلا تحجيم نفوذ الجيش، مرورا بعدم وجود أي إستراتيجية أو خطة لكيفية إدارة شؤون البلاد وحل أزماته، وصولا إلى أن العديد من قياداته محسوبة على دول وأجهزة إستخبارات خارجية، بينما مشاكل المكون العسكري السوداني الرئيسية تتلخص في الاتي:
أولا: عدم وجود حاضنة شعبية للجيش السوداني على عكس الحال في أغلب الجمهوريات العربية خصوصاً مصر، الجزائر، وسورية.

ثانيا: التناقض الذي كان بين شقي المكون العسكري عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، وحميدتي قائد قوات التدخل السريع، الأمر الذي جعل الكثير من المتربصين بالجيش السوداني يلعبون على ذلك الوتر، بالتزامن مع دخول بعض الدول الخليجية لدعم كل طرف على حساب الاخر، في مشهد مشابهة لحرب اليمن.

ثالثا: عدم امتلاك الجيش إعلام مؤثر قوي للتواصل السريع مع الشعب، فالجيش السوداني ليس له إعلاميين أو صحف أو قنوات تلفزيونية محترفة، لتوصيل الرسائل للشعب، أو نقل حقيقة الأمر وما يحدث في الكواليس له، على عكس المكون المدني الذي تتبنى رؤيته وتروج له القنوات الإخبارية الأوروبية وقناة الجزيرة القطرية.

رابعا: الطابور الخامس لعناصر تنظيم الإخوان داخل الجيش السوداني، والتي تتعمد افتعال الكثير من المشاكل وإثارة البلبلة داخل الجيش نفسه، ولنا في المحاولة الانقلابية التي قام بها ضباط وجنود محسوبين على جماعة الإخوان بالتعاون مع نظرائهم المدنيين خارج الجيش في سبتمبر/أيلول الماضي خير شرح ودليل.

أخيراً وليس آخراً بعد ما تم استعراضه، وما حدث خلال الساعات الماضية نستطيع القول ان السودان دخل الى مرحلة إنتقالية جديدة بعد عدة مراحل إنتقالية فاشلة، وبعد ثورات وإنقلابات يبدو أنها لم تنته أو تتوقف بعد، ولكن الأخطر في المرحلة الحالية التي بدأت مع صباح الاثنين الماضي، هي ان عدم نجاحها سيعني دخول السودان في فوضى وحرب أهلية لن يكون لها حل ابدا، فالمؤسسة المتماسكة الوحيدة في البلاد، صارت في وجه المدفع بعد ان اتخذ عبد الفتاح البرهان القرار بتحمل المسؤولية كاملة على كتف الجيش وحده دون مشاركة أي فصيل أو مكون مدني، ولا ننسى ان الجيش السوداني نفسه مستهدف من الخارج كحال باقي الجيوش العربية، كي يصبح الجيش بين سندان الغضب الداخلي ضده، ومطرقة الخارج التي أجبرته على التطبيع مع إسرائيل بعد ضغوط لا تحتمل. 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل