عنتر السعودي وصعاليك لبنان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 29 تشرين الأول , 2021 11:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يروى عن عنترة بن شداد العبسي، عندما سئل كيف بنى لنفسه هيبة ووهرة تخيف أعداءه، فينهزمون قبل لقائه وقبل مواجهتهم لضربات سيفه، أنه قال: "أضرب الضعيف ضربة يخاف من هولها القوي". ويبدو من مسار الأحداث ومن أسلوب تعامل حكام مملكة آل سعود، أنهم يظنون أنفسهم "عنترة" وأن لبنان واللبنانيين من صعاليك العرب. والصعاليك كانوا من المنبوذين والمستضعفين من قبائل عرب ذلك الزمن. ولذلك أخذت المملكة السعودية "كسرة" في المطالبة باستقالة ذلك الوزير الذي لم يعجبها كلامه المحق عنها. أو باعتقال وسجن رئيس حكومة، تعوّد أن يكون تابعاً لها. وصولاً إلى المطالبة الحالية بمعاقبة وزير على رأي أعطاه قبل أن يصبح وزيراً. 

والواقع أنه لا آل سعود عناترة ولا لبنان واللبنانيين صعاليك، يكفي أن مملكة الشر السعودية تمرّغ أنفها على هضاب أبطال اليمن من جيش وأنصار وقبائل، طوال ثماني سنوات من العدوان السعودي، الذي جيّش حشداً من الدول والجيوش والإمكانات، لفرض الخضوع والتبعية على أهل اليمن، الذين يصنفون كأفقر شعب عربي، لكنهم الأصلب والأشد عزيمة، كيف لا وهم أصل العرب ومعدنهم الذي لم تزيفه  أنواع الإحتلالات والإستعمار، التي تعرض لها غيرهم من الشعوب العربية. فكان الصمود والردع اليمني مقابل الهزيمة المجلجلة للمعتدين، التي لم يجد حكام السعودية حتى الساعة، طريقاً للخروج من مستنقعها. 

كما أن لبنان ليس ذلك الضعيف الذي يضربه الأقوياء، بل أنه قوي عزيز بمقاومته، التي أذلت العدو الصهيوني حليف آل سعود ووسيطهم لنيل رضى الإدارات الأميركية المتعاقبة وتأمين حمايتها لنظامهم. وهو قوي كذلك، بتكامل جيشه وشعبه ومقاومته، التي تدور المؤامرات والصفقات والألاعيب لفتح ثغرة في جدار هذه الثلاثية الصلب، لعل العدو الصهيوني ومن يدعمه ويساعده، يحقق منها ما عجزت سلسلة إعتداءاته عن تحقيقه، على الرغم من كل الدعم الأميركي بالسلاح والمال؛ مصحوباً بتواطوء بعض العرب أمثال آل سعود ومن يماشيهم ويأتمر برأيهم. وقد كان للسعودية تجربة في هزيمة تكفيرييها، الذين ارسلتهم إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية، ليدخلوا منها ويقيموا إمارات لهم، فكانت هزيمتهم أمام المقاومين والجيش فضيحة لمن أرسلهم وسلحهم ومولهم.

لكن ما يشجع آل سعود وأمثالهم على التعامل مع لبنان بمثل هذا الأسلوب، أنهم في تعاطيهم مع لبنان، واصلوا خطأهم في التمثل بعنترة الذي قيل له: "يا عنتر من عنترك"، فأجاب: "عنترت نفسي ولم أجد أحداً يردني". والأسوأ من ذلك أن من ينظر إلى تعامل المسؤولين اللبنانيين وبعض شرائح الشعب اللبناني، مع بعضهم البعض، يطمع فيهم، فكما يقول المثل: "من قال لدجاجته كشّ، ألآخرون سيكسرون لها رجلها". فالساسة اللبنانيون مارسوا أسوأ أنواع التسلط واللصوصية والإخضاع بحق شعبهم. وما شهده لبنان على أيدي حكامه وزعمائه ومافيات وكارتيلات تحالف زعماء الطوائف واصحاب المصارف، يكفي لأن يتطلع الخارج إلينا بنظرة إحتقار ولؤم. بل أن تعاطي البعض مع المقاومة بكل الخسّة وقلة الوفاء، يجعل الآخرين يظنون باللبنانيين السوء. كيف لا وهناك من اللبنانيين من تعود على بيع كرامته ومواقفه مقابل المال والحماية. ولكل زمن "جيش لحده"، الذي يشكله ضعاف النفوس ويجعلون من أنفسهم فيه أكياس رمل، يحتمي بها المحتل والطامع. وها هي أصوات هؤلاء المرتزقة تنتصر لعدوانية آل سعود؛ وتشن حملة شيطنة على وزير الإعلام جورج قرداحي. وتطالب وتضغط لدفعه إلى الإستقالة من منصبه، أو لإقالته، إرضاء لحكام مملكة التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي يحتل فلسطين العربية ومقدساتها. وهناك فئة من اللبنانيين جاهزة لبيع نفسها للشيطان، هي نسخة عن بيلاطس الذي باع سيده بثلاثين من الفضة. وهؤلاء يبيعون اليوم الوطنية والشرف والكرامة، بحجة إرضاء "منشار" آل سعود، حتى لا يغضب ويطرد اللبنانيين العاملين في المملكة، الذين لهم فضل في إعمارها وتقدمها ونشر العلم فيها. وهم يعملون وينتجون بعرق الجبين وبخبراتهم وليس بمنة من أحد. والمملكة كانت وما تزال بحاجة إلى جهودهم.  

بل أن ما يشجع حكام السعودية وغيرها على النظر بدونية إلى لبنان، هو جبن المسؤولين اللبنانيين، الذين عجزوا حتى الساعة، على سبيل المثال، عن وقف وضبط تصرفات رجل أميركا الممسك بمالية الدولة اللبنانية، رياض سلامة، حيث يبدو المسؤولون اللبنانيون والزعماء وأصحاب المناصب "شرابة خرج"، أمام التخريب الذي يمارسه سلامة، إن لم يكونوا شركاء له في تعطيل كل عناصر قوة لبنان ومناعته أمام الحصار الأميركي وعقوباته. وهذا الضعف، أو التواطوء، ينسحب على العلاقات العسكرية التي تربط لبنان بالجيش الأميركي، الذي يحتكر تسليح جيش لبنان بخردة قواعده العسكرية ومعظمها من مخلفات الحرب العالمية الثانية. ويمنعه من القبول بتنويع تسلحه، أو حتى بقبول هبة عسكرية من دولة لا ترضى عنها أميركا. وصولاً إلى منع الجيش من إستعمال السلاح الأميركي ضد العدو "الإسرائيلي". فكيف يقاتل الجيش العدو، طالما لا تتوفر له غير الأسلحة الأميركية. وهذه ممنوع إستخدامها ضد الطامع بأرضنا ومياهنا وثروتنا النفطية. وهو يستبيحها يومياً. ويختطف من يشاء من المواطنين، إذا إقترب أحدهم مسافة قريبة من الحدود. 

لو كان حكام السعودية أشقاء، مثلما يدعي مرتزقتهم في لبنان، لوقفوا مع لبنان وساعدوه للنهوض من كبوته، بدلاً من إستغلال أزماته ومشاكله للضغط عليه، لإذلاله وإجباره على الخضوع للإملاءات الأميركية والمطامع "الإسرائيلية". لكنهم لا يملكون من قرارهم شيئاً، فهم مجرد أدوات عند الأميركي؛ وحلفاء بالرضى أو بالإرغام، للعدو الصهيوني. ومن كان حليفاً أو صديقاً لعدو شعبه وأمته ومحتل أرضه، لا خير فيه ولا خير منه.   
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل