السعودية تفشل بجعجعة المسيحيين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 05 تشرين الثاني , 2021 10:08 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ستسجل المرحلة المقبلة لوزير الإعلام جورج قرداحي، أنه ساهم ولو عن غير قصد، في إفشال خطة عدوانية طموحة للمملكة السعودية، تريد بها وضع يدها على القرار المسيحي اللبناني عموماً؛ والماروني خصوصاً. 

طبعاً قد يستغرب المكابرون والمغرضون والمرتشون من "مكرمات" المملكة هذا الكلام. لكن سياسة المملكة تجاه لبنان والعرب، تشهد لها بمثل هذه "الشطحات" الإعتباطية، خلال عهود ملوك سابقين، فكيف الحال في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، الذي يرفض حليف السعودية الأول، رئيس الولايات المتحدة، إستقباله، نتيجة حماقاته التي جعلت الإعلام العالمي يطلق عليه إسم "أبومنشار"، بعد إضطهاده لأقربائه. وبعد أن إرتكب زبانيته جريمة تصفية أحد أتباعه، الصحافي جمال خاشقجي، في سفارة المملكة في تركيا وقطعوه بمنشار لإخفاء بقايا جثته. 

وقد بلغت الحماقة السعودية مبلغاً وصل بها إلى حد تهميش رئيس حكومة، هو سعد الحريري أهم زعيم في الطائفة السنية اللبنانية حالياً، كانت السعودية قد صنعته بأموالها ونفوذها، مثلما صنعت والده الراحل رفيق الحريري. واستبدلته بوضع سمير جعجع وكيلاً سياسياً أولاً لها. وهو المسيحي الماروني المتطرف في تعصبه الطائفي والعنصري؛ وبعدائه المعروف للعرب والعروبة والمسلمين، مما جعل القوى السياسية اللبنانية التي تناصبه الخصام، تسميه هو وأمثاله بإسم "الإنعزاليين". فجعجع إنطلق من حزب مسلح رفع شعار "على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً أوسورياً". و"أدفع ليرة (زمن الليرة في سبعينيات القرن الماضي) تقتل فلسطينياً أو سورياً". فكيف يكون معتمداً لسياسة دولة تدعي أنها زعيمة العالم الإسلامي السني وقائدته، ما لم يكن لديها مشروع للهيمنة على القرار المسيحي والماروني تحديداً، عبر السير بجعجع لإيصاله إلى منصب رئاسة الجمهورية، حتى لو إقتضى ذلك إشعال فتنة وحرب أهلية، تشبه تلك التي اشعلها قائد جعجع السابق بشير الجميل، تحت شعار حرب تحرير لبنان من الغرباء، بدعم أميركي وتمويل سعودي. وتوج بشير حربه تلك، بإستدعاء جيش العدو "ألإسرائيلي" ليغزو لبنان، حيث قامت دباباته بحماية مقر إنتخاب بشير في المدرسة الحربية في ثكنة الفياضية. فهل أن تبعية جعجع وحزبه المسلح للسعودية مالياً وسياسياً، لا تندرج ضمن هواجس الإنعزاليين أمثاله عن "أهل الذمة"، أم أن التبعية للمال الحرام المسروق من جيوب شعب الجزيرة العربية، تجعل "الذمية" ولاء وإنتماء.  

ويبدو أن حاكم المملكة السعودية، من ندرة الأتباع اللبنانيين الفاعلين لديه، بعد إستبعاده لسعد الحريري، ألبس رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، ثوب زعامة وهابية وسلفية سنية بدلاً عن ضائع، في سعي السعودية لتثبيت نفوذها في لبنان؛ ومحاربة أعداء حلفها المعلن مع العدو "الإسرائيلي".

ومن المعروف أن المملكة السعودية جربت الإتيان برئيس جمهورية يواليها، بدلاً من الرئيس العماد ميشال عون وفشلت. وحاولت منع وصول عون فخابت مساعيها. وإفتعلت مؤخراً مشكلة مع وزير الخارجية السابق شربل وهبة ونجحت في إقالته. وهي تكرر التجربة مع جورج قرداحي، لتثبت لنفسها حق "الفيتو" على كل شخصية مسيحية لا تماشيها. بما يضيق الطريق على وصول رئيس جمهورية جديد ليس من صناعتها. وهذا "الفيتو" إذا تحقق مسيحياً مرشح للتمدد نحو الطوائف الأخرى، تطبييقاً للمخطط الأميركي-"الإسرائيلي"، الذي تشارك السعودية في تنفيذه؛ والقاضي بحصار حزب الله وإنهاء دوره ووجوده. بما يتيح جرّ لبنان إلى طابور المطبعين مع العدو الصهيوني، من الخانعين والخاضعين للإملاءات الأميركية والمطامع "الإسرائيلية". 

ويبدو أن جعجع الذي تآمر على سعد الحريري وساهم في إحتجازه وإهانته وتعريضه للخطر في السعودية، ينسى أن مموليه الجدد عاقبوا سعد الحريري لأنه لم يتمكن من تخليصهم من "حزب الله" في لبنان، بعد أن صرفت له ولوالده من قبله، مليارات الدولارات؛ وأوصلتهما إلى قمة دورهما المالي والسياسي. فكان أن تخلصت من الأب إغتيالاً، بعد أن فشل في تنفيذ خطتها. واعتقلت الثاني بتحريض من جعجع نفسه؛ وكادت أن تلحقه بوالده، لولا تدخل القيادات اللبنانية والضغوطات الدولية والإقليمية، التي أنقذت الحريري الإبن من دموية محمد بن سلمان. واليوم، تريد السعودية من جعجع أن يحقق لها ما فشل الحريريان في تحقيقه، أي التخلص من حزب الله ومقاومته التي تردع العدو "ألإسرائيلي" عن تحقيق أطماعه في لبنان. فهل يظن أن مصيره سيكون أفضل مما تعرض له الحريريان. وما قيمة جعجع أمام صدام حسين، الذي ورطته أميركا والسعودية في حرب على إيران وفي غزو الكويت. ثم إنطلقت جيوش أميركا واتباعها من الأراضي السعودية، لتسقط حكم صدام ولتسلمه لأعدائه فيتم إعدامه. وهكذا سيكون مصير أدوات السعودية وأميركا، عندما يفشلون في "القضاء" على حزب الله. لأن حزب الله شكل وما يزال عقبة قاسية، في وجه الوظيفة الخفية سابقاً للقيادة السعودية والسافرة حالياً، في ترويجها وعملها للإعتراف بالعدو "الإسرائيلي" وإخراج العرب من الصراع معه؛ والتنكر لفلسطين وقضيتها وشعبها المشرد والمضطهد، بفعل الغزوة الإستيطانية الصهيونية. حتى أن الإفلاس السعودي بلغ حد دعوة إحدى أبرز صحفه، اللبنانيين "إلى التطبيع" مع العدو "الإسرائيلي" والقبول بما أسمته مساعدات "إسرائيلية" لمواجهة "حزب الله".

هذا مع تذكير جعجع، أنها ليست المرة الأولى التي تهدد فيها مملكة الرشاوى والتكفير الوهابي لبنان، فما تفعله هذه الأيام فعلت مثله حرفياً عام 1967. عندما هددت لبنان بالحصار وبسحب ودائعها من مصارفه وبطرد اللبنانيين العاملين فيها، ما لم ينحز إلى صفها في عدائها لجمال عبد الناصر. لكن تلك الأيام كانت زمن رئيس حكومة مختلف عمن نراه هذه الأيام. كان رشيد كرامي (الذي إغتاله جعجع) يزين الإسم الذي يحمله ويستحقه عن جدارة. كان رجل مواقف وكرامة. فوقف وتصدى وحمى الكرامة الوطنية ورد رافضاً الخضوع للتهديد السعودي، فكان موقفه رافعة لكي يجتمع مجلس النواب اللبناني حينذاك؛ ويتخذ الموقف المناسب والمعبر عن الكرامة برفض الإملاءات. فاضطرت المملكة إلى التراجع وطي الصفحة. 

والسعودية هذه المرة أيضاً، لن تنجح مهما دفعت لجعجع، في جعل المسيحيين جعاجعة معروضين للبيع خدماً لمشاريع "إسرائيل" وآل سعود.  


 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل