عين السعودية على لبنان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 24 كانون الأول , 2021 10:27 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تستغل المملكة السعودية أزمات لبنان والمنطقة، للنفاذ عبرها والهيمنة على لبنان واستتباعه لها، ليكون عبداً مأموراً لعبد مأمور. وهي المعروفة على رؤوس الأشهاد بتبعيتها للسياسات الأميركية والغربية؛ وبحرصها على محاربة ومعاداة كل من يواجه العدو "الإسرائيلي"، أو يشكل خطراً على وجوده وتوسعه في فلسطين والبلدان المحيطة بها. 

وليست الأزمة الحالية القائمة بين لبنان والمملكة هي الأولى التي يفتعلها حكام المملكة، بل أن هذا المشهد الذي رأيناه مؤخراً، بكل ما فيه من إستعلاء وعدوانية، هو مشهد تكرر سابقاً، في مناسبات إستغلت فيها  المملكة ضعف لبنان وإنشغال المنطقة عنه، لتحاول فرض تفردها في ممارسة نفوذها فيه. ومما شجعها على مواصلة هذه المحاولات، أن مجتمع السياحة والإستهلاك في لبنان، ينتج شريحة من المواطنين، همها تحصيل المال وتقديم الخدمات لمن يدفع أكثر، بغض النظر عن تأثير موقفها على السيادة الوطنية، أو الكرامة الشخصية.

وما نشاهده حالياً من مشاركة سعودية للولايات المتحدة، في حصار لبنان والتضييق عليه، هو نسخة مشابهة لما حواه "الإنذار" السعودي للبنان عام 1967، عندما إستغل حكام المملكة إنشغال مصر وسورية في مواجهة العدوان الصهيوني، فهددوا بمحاصرة لبنان إقتصادياً وسحب ودائعهم المالية منه وطرد اللبنانيين العاملين في المملكة. يومها أتهمت المملكة لبنان بالإنحياز إلى الزعيم  العربي جمال عبد الناصر، الذي كان يقاتل العدو "الإسرائيلي" المدعوم أميركياً، كما كان يتعرض لمؤامرات "الإخوان المسلمين"، في تنفيذهم الدائم لمخططات الإستعمار والصهيونية. وهو ما شهدناه خلال العقد الأخير من السنين في ما سمي زوراً "الربيع العربي". في تلك الأيام، لم يكن ميشال عون رئيساً ولم يكن حزب الله قد وجد بعد؛ وكانت إيران تحت حكم الشاه، حليفة للسعودية و"أسرائيل".

ولو تمعنا في ماضي لبنان وحاضره، لوجدنا أن لبنان من البلدان التي تدور في الفلك الأميركي-السعودي، منذ أن فرضت أميركا نفسها حاكماً أوحداً على العالم. ومنذ أن إستولت السعودية على النظام الرسمي العربي، بأموالها، بعد غياب جمال عبد الناصر وتراجع مصر عن دورها إثر إنخراطها في إتفاقية كمب ديفيد المشؤومة. وجاء وجود المقاومة ودورها المؤثر عامل تعطيل لمشاريع الإستتباع الأميركي- السعودي في لبنان. ولذلك نسمع هذا الضجيج المفتعل وهذا الصراخ والعويل عن إحتلال حزب الله للبنان؛ وهو حزب لبناني لا يحتاج إلى شهادة بأنه الأكثر تضحية دفاعاً عن لبنان وشعبه وأرضه. علماً أن الجمهورية الإسلامية في إيران تدعمه، مثلما تدعم كل المقاومات العربية في وجه العدوانية الأميركية و"الإسرائيلية"، التي تشاركهما فيها السعودية في عدوانها على اليمن وفي حصارها للبنان.

وتتأكد هذه الحقائق عندما نتذكر أن المملكة حاولت الأمر نفسه في الهيمنة الكاملة على القرار اللبناني، مستغلة الحرب الأهلية فيه بعد العام 1975، التي دمرت منشآته وهجرت سكانه وعطلت أسباب الحياة فيه. وكانت المملكة أحد ممولي تلك ىالحرب. فأرسلت رجل الأعمال السعودي رفيق الحريري، الذي لم يعرف بغير هذا الإسم حينذاك. وكان هدفها التخلص بواسطة المال من كل آثار المقاومة الفلسطينية، بالتكامل مع المشروع "الإسرائيلي" لطرد المقاومة من لبنان، الذي تم بإجتياح عام 1982. وهكذا قيض للملكة أن تكون طرفاً أساسياً في الإمساك بالقرار اللبناني في تلك المرحلة، التي حولت لبنان إلى محمية أميركية- سعودية، لم ينغص عليها هيمنتها فيه، سوى وجود مقاومة تجددت في ظل الإحتلال "الإسرائيلي"؛ وتمكنت من طرده من دون قيد أو شرط. وهذا هو السبب الأساس للغضب الأميركي و"الإسرائيلي" والسعودي على لبنان، الذي ترجم بالأحداث التي مرت على لبنان خلال العقدين الماضيين، بما فيها إغتيالهما للراحل رفيق الحريري، بعد فشله في تنفيذ مطلبهم بالتخلص من المقاومة في لبنان. وصولاً إلى عدوان تموز 2006 الذي واجهه اللبنانيون ومقاومتهم بصلابة. فكان الحل بتخريب وتدمير كل البلدان والمجتمعات العربية، المتمردة أو المترددة بالإنخراط في مشروع الإعتراف بالكيان الصهيوني والتطبيع معه، بتواطؤ سعودي بدأ منذ أن وافق عبد العزيز آل سعود على التوقيع للأنكليز على وثيقة تعطي فلسطين "للمساكين اليهود". 

ولا ينسى اللبنانيون البيان الشهير الذي أصدرته أربع دول عربية تدور في الفلك الأميركي، هي المملكة السعودية والإمارات ومصر والأردن، عام 2006، الذي هاجمت فيه حكومات تلك الدول المقاومة في لبنان من دون سبب، فوظيفة ذلك البيان حينها، كان إعطاء غطاء عربي للعدوان "الإسرائيلي" على لبنان. ولم يكن وقتها للسعودية وغيرها حجة ضد المقاومة، إن كان في اليمن أو في سورية. فهدف السعودية كان وما يزال، هو التخلص من المقاومة لأنها تقاتل الصهاينة وتواجه عدوانيتهم وأطماعهم في لبنان والمنطقة.

وهذه الأيام، عادت السعودية الى نهجها وعلّت سقف لهجتها ومطالبها، مستغلة تصريحات غير ذات أهمية، كان أدلى بها الاعلامي جورج قرداحي قبل أن يصبح وزيراً في الحكومة اللبنانية. فقطعت العلاقات مع لبنان وحاصرته مالياً واقتصادياً، في تكامل مع الحصار الأميركي القائم منذ سنوات. ومن المعروف أن المملكة السعودية جربت الإتيان برئيس جمهورية يواليها، بدلاً من الرئيس العماد ميشال عون وفشلت. وحاولت منع وصول عون فخابت مساعيها. وإفتعلت مشكلة مع وزير الخارجية السابق شربل وهبة ونجحت في إقالته. وهي كررت التجربة مع جورج قرداحي، لتثبت لنفسها حق "الفيتو" على السياسة والسياسيين في لبنان.

صعّدت الرياض اجراءاتها في هذه المرحلة، لتقول انها قررت استعادة نفوذها المتراجع منذ فترة في لبنان. وانها ليست في وارد التفريط بالورقة اللبنانية بعد خسارة نفوذها الكبير في اليمن، وتراجع قوتها في الخليج بعد نجاح قطر في تحدّيها لها، وعدم قدرتها على فرض نفسها في العراق. وفي ذروة إرتباكها جاء تصريح وزير خارجيتها "بأن أصل المشكلة في لبنان هي حزب الله"، ليكشف أن المملكة إفتعلت مشكلة قرداحي لغاية في نفسها. واللبنانيون لم ينسوا ما تعرض له رئيس حكومتهم الأسبق سعد الحريري، من إحتجاز وإهانة، اجبر خلالها على تقديم إستقالة حكومته من الرياض وكاد يخسر حياته فيها، للسبب نفسه الذي اغتيل لأجله والده. كما لا يمكن نسيان فضيحة لم يمض عليها الزمن، في ما عرف بفضيحة "بيغاسوس"، حيث طلبت المملكة السعودية ودولة الإمارات من شركة "إسرائيلية"، التجسس على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري؛ ورجال سياسة ودبلوماسيين وصحافيين وشخصيات لبنانية.    

ومن الواضح أن المشيئة الأميركية والسعودية متطابقتان في حصار لبنان، لفرض الإملاءات الأميركية عليه ليقبل بالأطماع "الإسرائيلية"، في فرض ترسيم الحدود والنفط والغاز والتشارك مع كيان العدو في مشروع أنبوب لتصدير الغاز إلى أوروبا. في موازات تشكيل "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي يرفض لبنان الإنضمام إليه بفعل وجود كيان العدو فيه. وهذا هو السبب الجوهري لمنع لبنان من الخطو نحو إستخراج النفط والغاز، من البلوكات البعيدة عن الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة. رغم حاجة لبنان لعائدات ثروته النفطية لتساعده في الخروج من أزمته الإقتصادية الخانقة، التي جاء الحصار الأميركي والسعودي ليزيد من أضرارها عليه. 

عين السعودية على لبنان، ليست عين حبّ وأخوة، بل عين بغض وعدوان وضغينة، لن تتغير أهدافها، طالما أنها تقف في صف العدو "الإسرائيلي".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل