إنذار الخليج يلعب على خلافات اللبنانيين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 28 كانون الثاني , 2022 11:30 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

نجحت "المبادرة الخليجية" التي حمل بنودها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح، في تسعير السجال اللبناني الذي لم يتوقف يوماً منذ إنشاء الكيان والنظام اللبنانيين، حول دور لبنان ووظيفته في المنطقة. وهو سجال تحول أكثر من مرة إلى فتنة وصراع داخلي دموي، ربما تتقصد دول مجلس التعاون الخليجي والدول الراعية لها، العزف على وتره ودفع لبنان إليه مجدداً.

فالقاصي والداني يعرف أن اللبنانيين مختلفون على أهم عنصرين تريد المبادرة الخليجية وهي إنذار في حقيقتها، أن تحسم الحكومة اللبنانية موقفها منهما. العنصر الأول هو الموقف من العدو "الإسرائيلي"، الذي يترجم في الموقف من مقاومة هذا العدو ومن سلاح المقاومة. والثاني هو أي عروبة يلتحق بها اللبنانيون. وهذا الأمر بات عنصراً متفجراً بفعل العلاقات التي أشهرها عدد من أنظمة النظام الرسمي العربي، خصوصاً الخليجية، مع العدو الصهيوني الذي غزا فلسطين واغتصب أرضها وشتت شعبها؛ وهو يهدد كل جوارها بالأطماع والإحتلال أو الإستتباع.

ويعرف أصحاب المبادرة وغيرهم، أن اللبنانيين إختلفوا وانقسموا على التحرر من الإستعمار الفرنسي. إنقسموا على مواجهته أولاً، ثم في مسألة بقائه. فكانت زعامة آل إدة وآل جنبلاط ومن معهم، حليفة لذلك الإستعمار ترفض جلاءه عن لبنان. وهذا الموقف إنسحب على مواقف القوى السياسية اللبنانية، التي هي زعامات طائفية بفعل تركيبة النظام السائد، من مسألة الإحتلال "الإسرائيلي" ومن وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان؛ ثم من مسألة مقاومة هذا الإحتلال، أو الترحيب به والتعامل معه، مثلما فعلت شريحة من اللبنانيين. ولذلك نجد بين اللبنانيين من يعتبر الغزاة الصهاينة "جيراناً"، حسب ما وصفهم وليد جنبلاط مؤخراً. وهناك من يعتبرهم غزاة ومحتلين ويقاتلهم بالحديد والنار وبالموقف السياسي الواضح.    
والأمر نفسه بالنسبة للعروبة، فعندما كانت العروبة أيام جمال عبد الناصر، التي إكتسحت ولاء معظم اللبنانيين، لأنها كانت تعني التحرر من الإستعمار ورفض التبعية وتحقيق العدالة الإجتماعية؛ وتوحيد العرب في مواجهة الغزوة الإستيطانية "الإسرائيلية"، المدعومة من الغرب الإستعماري، رفضت الأنظمة العربية الموالية للغرب وأميركا وعلى رأسها المملكة السعودية، تلك الدعوة العروبية ورفعت في مقابلها شعار المؤتمر الإسلامي. فيما عنت العروبة بالنسبة للبعض الآخر من أتباع الغرب، الإنضمام إلى الأحلاف التي أقامتها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ضد الإتحاد السوفياتي وضد مصر عبد الناصر. وهكذا إطلق على كميل شمعون إسم "فتى العروبة الأغر"، لأنه كان حليفاً لجماعة بريطانيا وأميركا من حكام المنطقة، الذين إنضووا في "حلف بغداد" بزعامة نوري السعيد رئيس وزراء الحكم الملكي في العراق؛ وملك الأردن حسين وشاه إيران وحاكم تركيا. 

كما برز هذا الإختلاف خلال الإجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام 1982. وفي الموقف من إتفاق 17 أيار الذي عقده أمين الجميل مع الأعداء الصهاينة؛ والذي أسقطه الوطنيون اللبنانيون بالقوة بدعم مباشر من سورية. وما تفعله المبادرة أنها تحرك وتشعل الخلافات بين اللبنانيين.

الآن وبحجة إعادة بناء العلاقات اللبنانية الخليجية، برز الإنذار الخليجي - "المبادرة"، بعد انقطاع العلاقات ليس بسبب تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي؛ الذي وصف الحرب السعودية على اليمن بالعبثية؛ ولا بسبب وزير الخارجية الأسبق شربل وهبة، الذي تصدى لتهجم إعلامي سعودي على رئيس جمهورية لبنان. ونجحت ضغوط المملكة السعودية في اقالة الإثنين من منصبيهما. لكن العلاقات كانت  سيئة من قبل، إذ أن المملكة السعودية ومن يواليها من دول الخليج، سحبت اموالها من لبنان منذ العام 2016، للضغط على لبنان وإجباره على مؤازرتها في حربها على سورية. والعلاقات توترت أيضاً منذ العام 2006، عندما صدر البيان الرباعي الشهير عن حكومات السعودية ومصر والأردن والإمارات، الذي إنتقد عملية المقاومة ضد العدو "الإسرائيلي" لإطلاق الأسرى المحتجزين لديه، فشكل البيان غطاء للعدوان "الإسرائيلي" على لبنان في تموز من ذلك العام. ثم تطور الموقف الخليجي، إلى تلبية المطلب الأميركي و"الإسرائيلي" وتوصيف المقاومة في لبنان باعتبارها "إرهاباً". والآن جاء الإنذار- المبادرة ليقول للبنان أن عليكم تلبية هذه الشروط خلال خمسة أيام وإلاً لا مساعدات خليجية للبنان، بل عقوبات قد تكون إنتقامية من اللبنانيين العاملين في تلك الدول. 

وما لم يقله الوزير الكويتي كشفت عنه وسائل الإعلام، فشروط الإنذار الموجه إلى لبنان، هي خلاصة نقاش سعودي- أميركي- فرنسي- مصري- إماراتي وكويتي. وخلاصة تلك الشروط، أن المطلوب من لبنان الإذعان لما تريده أميركا و"إسرائيل"؛ وليس التصالح مع السعودية وحل الخلاف معها. وفي حال طبق لبنان تلك الشروط، سيجد نفسه عضواً في مجموعة الأنظمة العربية، المتحالفة علناً هذه المرة مع "إسرائيل". فبند عدم القيام بنشاطات إرهابية من لبنان، هو مطلب "إسرائيلي" قديم. والمقاومة في لبنان هي في عرف بعض دول الخليج إرهاب، في تطبيق منها للتوصيف "الإسرائيلي" للمقاومة. والبنود الإثنا عشر هي مشروع إخضاع للبنان واستتباع له واستسلام منه، ليقبل بالتوطين وبإقامة علاقات مع الكيان المعادي وغير الشرعي، الذي إعترفت به معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

وما بين الطلب من لبنان النأي بالنفس، علماً أن السكوت على العدوان الإجرامي على اليمن هو إنحياز للمعتدين وليس نأياً للنفس، إلى طلب تطبيق القرارات الدولية التي يقصد فيها نزع سلاح المقاومة، إلى وقف "الإعتداء اللفظي"، مع أن ملك السعودية هو من بادر في الإعتداء، عندما وصف المقاومة بالإرهاب، إلى غيرها من شروط، تبدو الأجندة الأميركية-"الإسرائيلية" واضحة في المطالب الخليجية، لنزع عناصر القوة التي يمتلكها لبنان، أي سلاح المقاومة وحرية الرأي والتعبير. وما دخل السعودية وحكام الخليج بالحدود بين لبنان وسورية؟ ولماذا سكتت السعودية عن عدم تطبيق أهم بنود إتفاق الطائف، فيما هي تتمسك به حالياً؟ وهل تقبل السعودية ومن يماشيها، أن تخرج أصوات من لبنان تطالبها القيام بإصلاحات في نظامها، بما فيها جراء إنتخابات شعبية وانشاء مجالس نيابية؟ وهل قامت السعودية ومن معها في أي يوم، بدعم الجيش اللبناني ليحمي لبنان من الإعتداءات "الإسرائيلية"، حتى تطالب بتعزيز دوره؟ ومن يحمي لبنان إذا لبى هذه المطالب أن تفرض عليه مطالب أخرى، مثل التوطين والإعتراف بدولة العدو الصهيوني؛ وبتلبية المطامع "الإسرائيلية" في الأرض اللبنانية والمياه والنفط والإنضمام إلى "الديانة" الإبراهيمية التي تلغي ضمناً ما عداها من أديان. فالواضح أن تلك الشروط ليست إلا شروط إذعان واستتباع، على غرار ما فشلوا في تحقيقه في اليمن. ووزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، أعلن أن هدف الحرب على اليمن هو "كي يكون اليمن ضمن المنظومة الخليجية". وهم لم يتعلموا من تجربة قطر، التي حاولوا إذلالها وفرض شروطهم عليها وتحضروا لغزوها واحتلالها. لكنها رفضت واستقوت بإيران وتركيا، مما أجبرهم على التراجع واعادتها إلى عضوية مجلس التعاون. وهم يضعون لبنان أمام خيارين: إما الجوع أو الخضوع. متجاهلين أن في لبنان من كسر العنجهية "الإسرائيلية" ورفض الذلة والمهانة. وأن ما يريده حكام السعودية من تسييد للمشروع الصهيوني في  المنطقة لن يحصل. وما هذا الإنكشاف الخليجي إلا تعبيراً عن مأزق أميركا والصهاينة، لأن شعوب المنطقة ترفض الإحتلالات والوصايات وستواجهها وتدحرها.  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل