أوكرانيا: عض أصابع أميركي- روسي ـ عدنان الساحلي

الجمعة 04 شباط , 2022 11:38 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

للوهلة الأولى خيّل للمراقبين أن أجواء التهدئة تغلبت على رياح التصعيد في أوكرانيا، عقب المحادثات الهاتفية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن، الشهر الفائت. إلا أن عودة الأميركيين وحلفاءهم في حلف "الناتو" إلى أسلوب التحشيد العسكري، مع استمرار تحذيراتهم من نية روسيا غزو أوكرانيا؛ وإرتفاع لغة تهديدهم لروسيا بالعقوبات الأميركية والأوروبية، أعاد الأوضاع في تلك المنطقة من شرقي أوروبا، إلى دائرة التخوف من أن يفقد رشده أحد طرفي النزاع الأساسيين: الروسي والأميركي، أو الفرعيين: أوكرانيا والجمهوريات المنشقة عنها، فيطلق الطلقة الأولى، بما يدخل العالم في حرب يخشى كثيرون من أنها قد تكون حرباً عالمية ثالثة، تحسم فيها القوى الدولية المتصارعة النزاعات فيما بينها بما يهدد وجود البشرية جمعاء. لآن مثل هذه الحرب إذا نشبت، سيكون السلاح النووي من أدواتها.
لكن الدلائل الأخرى ترجح بأن الطرف الغربي يبحث له عن مخرج من هذه المواجهة، بعدما سقطت إدعاءاته بأن الروس يستعدون لغزو أوكرانيا. إذ أن الواقع يشير إلى أن الروس حققوا منذ سنوات ما يريدونه من أوكرانيا؛ وهم حالياً يناورون لصد هجمة أميركية-أطلسية منسقة، لإحراجهم وتسجيل إنتصار عليهم بالنقاط، من خلال نشر أجواء حرب روسية-أطلسية، تغطي ضم أوكرانيا إلى حلف "الناتو"، رغم خطورة هذا المنحى وصعوبة تحققه، باعتبار أوكرانيا منطقة نزاع ليس فقط لأنها تستفز روسيا وتهدد أمنها بهذا الخيار، بل لأن أوكرانيا ذاتها مهددة بالإنهيار وبأن تصبح عالة على الأطلسيين وعبئاً عليهم، فتجربة موسكو في فصل "جمهوريتي" دونيتسك ولوغانسك واقليم دومباس عن أوكرانيا؛ وكذلك استعادتها شبه جزيرة القرم منها، عام 2014، ما تزال ماثلة وتعطي صورة عما يمكن أن يفعله "القيصر" بوتين، في حال شعوره بخطر جدي على حدود بلاده وأمنها. 
الولايات المتحدة نراها من جهة تمد يد التهدئة؛ وفي الوقت عينه تصعد موقفها العسكري. وكأن الأمر عضاً متبادلاً للأصابع، تجنباً للحرب من جهة ثانية؛ وتهرباً من القبول بالهزيمة في الوقت عينه، فهي تبدي "استعدادها لمناقشة منح الكرملين طريقة للتحقق من عدم وجود صواريخ "توماهوك"، في قواعد حلف شمال الأطلسي في رومانيا وبولندا، مشترطة استعداد روسيا لتبادل معلومات مماثلة بشأن صواريخ في قواعد روسية معينة"، حسب موقع "بلومبيرغ". لأن الرئيس الروسي يبدي قلقه بشأن التهديد الذي تشكّله قواعد الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي في البلدين المذكورين، اللذين كانا ضمن حلف وارسو في زمن الإتحاد السوفياتي؛ وباتا بعده في حلف "الناتو" المعادي.
وحسب وسائل إعلام أوروبية، فانّ الولايات المتحدة و"الناتو" تعهدا، في ردهما على الرسالة الروسية بشأن الضمانات الأمنية، بعدم نشر أسلحة نووية في أوروبا الشرقية. خصوصاً أن روسيا أعلنت إنّها قد تقوم بعمل عسكري لم تحدده، ما لم تلب مطالبها الأمنية.
وكان الرئيس بوتين قد أبلغ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال هاتفي، الأسبوع الماضي، بأنّ "رد واشنطن والناتو على مطالب الضمانات الأمنية لم يأخذ في الاعتبار الهواجس الأساسية لروسيا، مثل منع توسع الناتو ورفض نشر أنظمة الأسلحة الضاربة قرب الحدود الروسية".
وقال أيضاً في اتصالٍ مع رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي،  منذ يومين، إنّ من المهم "احترام المبدأ الأساسي المتمثل بعدم تجزوء الأمن". مضيفاً  أنّه "لا ينبغي للغرب بناء أمنه على حساب أمن روسيا". 
وتنفي روسيا ما يروّجه الغرب، حول اعتزامها شن هجوم على أوكرانيا، مشدّدة على أن كل التقارير التي تتحدث عن ذلك، كاذبة والغرض منها تصعيد حدة التوتر في المنطقة، وتأجيج الخطاب المعادي لروسيا. وتعتبر أن التصريحات الغربية حول "العدوان الروسي" المزعوم، تأتي استعداداً لفرض عقوبات اقتصادية جديدة. وتبريراً لتوسع "الناتو" شرقاً، ما يمثّل تهديدا للأمن القومي الروسي.
هذا الإرتباك الغربي الذي لا يرسم طريقاً للحرب من جهة، لكنه لا يكرس التهدئة من جهة ثانية، عبرت عنه تصريحات ومواقف جديدة، كان بينها قول وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، للقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي، أنّه "ليس هناك دلائل" في هذه المرحلة تشير إلى أنّ روسيا مستعدة للتحرّك في أوكرانيا.
وتوافق ذلك مع تصريح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بأن التقارير الروسية بشأن اعتزام القوات الأوكرانية غزو منطقة دونباس، المنشقة بشرق البلاد لا أساس لها.
 وقال كوليبا للصحافيين: "أوكرانيا لا تخطط لأي عمل هجومي في دونباس ولن تحشد قوات هناك". وعن الحشد الروسي قال: "لا يمكن تأكيد أي انخفاض في عدد القوات الروسية على الحدود، لكنها حاليا غير كافية لغزو كامل لآوكرانيا". مما يعطي صدقية للنفي الروسي بأنها لا تنوي غزو بلاده.
وعزز كوليبا ذلك بالقول "أن على موسكو وكييف مواصلة التعاون الدبلوماسي"، مشددا على أن "الدبلوماسية هي النهج الوحيد" لحل الأزمة.
أجواء التهدئة هذه تتناقض مع التحركات الأميركية، التي تعبر عن سعي الرئيس الأميركي لتعزيز موقعه الداخلي المتراجع، حيث أفادت شبكة "سي بي إس" الأميركية، أمس، بأن الطيران الأميركي بدأ بنقل القوات الإضافية إلى أوروبا.
وبحسب معلومات الشبكة، فإن نحو ألفي عسكري أميركي أقلعوا من قاعدة "فورت براغ" بولاية كارولينا الشمالية على متن طائرات "سي 17". وسيتم نشر حوالى 1700 عسكري منهم في بولندا. والمتبقين سيتم نشرهم على أراضي ألمانيا بشكل مؤقت. وتزامن ذلك مع تصريح للمتحدث باسم البنتاغون، عن أنَّ 8500 جندي أميركي وُضعوا في حالة تأهب قصوى بسبب الوضع في جميع أنحاء أوكرانيا. وإنَّ "وزارة الدفاع تحتفظ بقوات قتالية كبيرة وقادرة على التقدم في أوروبا لدحر أي عدوان".
ونقلت وسائل إعلام أميركية عن الرئيس بايدن، تفكيره نشر آلاف الجنود وسفن وطائرات في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، لمواجهة الوضع في جميع أنحاء أوكرانيا. في تناقض مع قول السيناتور الأميركي الجمهوري ميت رومني "إن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً في أوروبا بشأن الأزمة الأوكرانية، فهذا ليس مطروحا". و"أن نشر 3000 جندي أميركي في شرق أوروبا لا يعني أن الولايات المتحدة تستعد للصراع، بل يشير إلى التزامها تجاه حلفاء الناتو في أوروبا". 
هذه الأجواء لا تعني أن روسيا ساكتة على ما يجري. وقد عبر النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الدوما الروسي، فلاديمير جباروف، عن موقفها بالقول "إنَّ الولايات المتحدة تدفع كييف إلى اتخاذ إجراءات متهوّرة ضد روسيا في دونباس (ذات الغالبية الروسية)؛ وترتيب استفزازات بغرض إثارة الاضطراب في أوكرانيا." مضيفاً أن "المساعدات العسكرية لإقليم دونباس يجوز تقديمها على شكل أسلحة دفاعية".  وأن ذلك يجعل الغرب وأوكرانيا " يتفهّمان أن روسيا لا تترك ذويها".
وفي هذا الصدد نقل عن مصدر في رئاسة جمهورية دونيتسك الشعبية "ترحيب الأخيرة بمبادرة البرلمانيين الروس تسليح جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك للدفاع عن النفس".
وجاء هذا التصريح بعد يوم من إعلان إدارة الشرطة في جمهورية دونيتسك المعلنة من جانب واحد، أن "الأمن الأوكراني يعدّ لهجوم في دونباس".
في هذا الوقت، تبادل الرئيس الروسي ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، خلال اتصال هاتفي، وجهات النظر حول الأزمة الداخلية الأوكرانية. في ما يبدو أنها وساطة بريطانية على ضوء زيارة جونسون إلى كييف مؤخراً.
وهكذا، تبدو الضغوط الأميركية والغربية غير فاعلة مع روسيا، فالأخيرة هي التي تقود هجوماً مضاداً حققت فيه مصالحها في أوكرانيا؛ وأفشلت محاولة إختراقها وحصارها في كازاخستان. وأسقطت مؤامرة الأميركيين وحلفائهم بالإستيلاء على جورجيا سابقا وعلى سورية لاحقاً. وهي تعزز علاقاتها مع الصين وإيران والهند ومجموعتي دول البركس وشنغهاي. لذلك يرجح المراقبون أن تبقى تطورات أوكرانيا في حدود "عض الأصابع" بانتظار من يتراجع أولاً، فيما طبول الحرب ستخفت أصواتها لأن من يشارك في مثل هذه الحرب سيكون خاسراً أياً كانت النتيجة المباشرة.
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل