فلسطين تكاسر الكيان ـ عدنان الساحلي

الجمعة 08 نيسان , 2022 11:17 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

عاد الكيان "الإسرائيلي" ثمانية عقود إلى الخلف،  ليس خياراً منه أو لزوم سياساته، بل بفعل جسارة الفدائيين الفلسطينيين، أبناء الأرض وأصحاب الحق، الراسخين في تراب فلسطين والمعانقين لجذور زيتونها واساسات بيوتها وزرع بياراتها. فعودة عصابات المستوطنين تتجول بأسلحتها في شوارع القدس وتل أبيب ويافا، بحثاً عن مقاوم يقاتلها بسلاحه دفاعاً عن بيته وأرضه، هي إحياء لعصابات "شتيرن" و"الهاغاناه" وأمثالها، التي عاثت قتلاً وإجراماً في فلسطين منذ بدء الغزوة الصهيونية؛ وهو تراجع لمفهوم "الدولة" التي حاول الصهاينة وداعميهم تكريسه في العقول، فيما عشرات السنوات من الجرائم والإنكار ودعم قوى الإستعمار والهيمنة العالمية، لم تنجح في الغاء وجود وصمود وصلابة المقاوم الفلسطيني، الذي يؤكد بدمائه وسلاحه أنه هو الحقيقة الثابتة، أما الكيان المصطنع فهو أوهن من بيت العنكبوت.
أمس وقبله وقبله وخلال أيام غير متباعدة، بل متلاحقة، كرس الدم والفداء الفلسطيني حقيقة الصراع القائم في المنطقة، بين أبناء الأرض وأصحابها من جهة؛ وبين غزاة جاءوا من مختلف أصقاع الأرض ينفذون مشروعاً وظيفياً إستعمارياً، لفرض نفوذ قوى دولية متسلطة ترى مصلحتها في إستغلالها منطقتنا والسطو على خيراتها؛ وترى الشر كله في إستقلال بلادنا ووحدة شعوبها، التي وصفتها خطابات شهدها مجلس اللوردات البريطاني عام 1814، بأنها": أكثر منطقة في العالم تنسجم شعوبها في التاريخ واللغة والدين والعادات والتقاليد، لكن وجودها في دولة واحدة يتعارض مع مصالح بريطانيا والغرب". ولذلك تآمرت بريطانيا لصنع الكيان الصهيوني، ليكون حاجزاً يفصل بين المشرق العربي ومغربه. وليكون قاعدة عسكرية متقدمة تحمي المصالح الغربية؛ وتضرب كل حاكم عربي تسول له نفسه الخروج عن تبعيته لها.  
أمس وفي حلقة  من سلسلة عمليات بطولية، شهدتها فلسطين مؤخراً؛ وهي لم تغب أصلاً منذ نكبة 1948، عادت فلسطين تحتل واجهة الأخبار وتفرض إسمها ووجودها، على كل من قال أن هناك بلداً بلا شعب وشعباً بلا أرض، تبريراً للغزو الإستيطاني اليهودي لفلسطين، الذي زور إسمها لتصبح "إسرائيل".
هو الفلسطيني الثائر، يقول كل يوم، مع وقفة كل مقاوم ومشروع شهيد، أن الكيان الصهيوني زائل لا محالة، مهما استكبر رعاته ودعموه بجرعات القوة والحياة. وأن هذا الكيان المصطنع سيزول بأسرع مما يتوقع المتواطئون مع دوره الوظيفي؛ وتحديداً عندما يفشل هذا الكيان في تأمين الأمن لمستوطنيه؛ ويعجز عن أداء  الدور الذي صنع لأجله. 
وليس أمراً عابراً أن يقتحم فدائي فلسطيني شوارع "تل أبيب"، في ذكرى مجزرة الصهاينة بحق أهل بلدة دير ياسين، في التاسع من نيسان عام 1948. فقد مثلت تلك الجريمة الصهيونية محطة هامة في مشروع إنشاء الكيان المؤقت. كانت دير ياسين وقرية لِفتا المجاورة، المدخل الغربي لمدينة القدس. وجرى إرتكاب مذبحة بحق أهلها، لطردهم من بيوتهم وفتح الطريق الموصل بين تل أبيب والقدس، قتل فيها الصهاينة أكثر من 254 شخصاً من نساء ورجال وأطفال البلدة. وكان نشر الخوف بين الناس لدفعهم إلى النزوح عن بيوتهم، ليحل محلهم المستوطنون الغرباء، هدفاً صهيونياً لا يقل أهمية عن ربط المدينتين.
أمس، جعل الشهيد رعد فتحي حازم (29 عاماً، من مخيم جنين)، الصهاينة يتذكرون جريمتهم في دير ياسين. إذ كانت تلك المذبحة عاملاً هاماً في الهجرة الفلسطينية، إلى مناطق أُخرى من فلسطين والبلدان العربية المجاورة، لما سببته المذبحة من حالة رعب عند المدنيين. وحصول عمليات فدائية فلسطينية في ذكراها، سيسجل التاريخ أنها عامل هام في هروب المحتلين إلى حيث جاءوا.
أمس، وبعد 74 عاماً على تلك المجزرة، يطغى الحديث عن لجوء قسم كبير من المستوطنين إلى طلب المساعدة النفسية لما يعانونه من صدمات. فيما تسجل منذ مدة زيادة كبيرة في نسبة الهجرة المعاكسة، التي شهدت مؤخراً حدثاً لافتاً تمثل بتوجه صهيوني لشراء جزر يونانية خالية من السكان، لتكون ملجأ للصهاينة عندما يتعرضون لحرب فعلية يتوقعونها، على أيدي محور المقاومة.
كما تشهد تطورات المنطقة هذه الأيام، واقعاً لطالما حلمت به. ففي ستينيات القرن الماضي، سعى القائد العربي جمال عبد الناصر لحصار الكيان الصهيوني بما سمي حينها:"جبهة المواجهة"، المشكلة من دول الطوق حول فلسطين وجيوش تلك الدول، فيما تقف خلفها "جبهة المساندة"، التي تنضوي فيها الدول العربية الأخرى، التي لا تجمعها حدود مباشرة مع فلسطين. وجرى ذلك إثر إنجاز معاهدة الدفاع العربي المشترك، تلك الإتفاقية التي خانتها وأسقطتها كل الحكومات التي أقامت علاقات مع العدو الصهيوني، أو اعترفت به، أو تعاونت معه. لكن حصار الكيان أصبح أمراً واقعاً عبر محور المقاومة، الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت وغزة وفلسطين المنتفضة وصولاً إلى جبال اليمن الشامخة في وجه تحالف العدوان الأميركي – الصهيوني - السعودي.
هذا الطوق المقاوم، الذي بات بمقدوره ردع العدوانية الصهيونية، بما يعطل وظيفة الكيان في التحكم بقرار المنطقة، إضافة إلى خسارة هذا الكيان للقدرة على توفير الأمن لمستوطنيه، سيعجل في زواله وفي عودة الحق إلى أصحابه، على الرغم من جرعات الأمان والمعنويات التي توفرها له أنظمة العمالة والخيانة، التي فتحت أبوابها للصهاينة وتراهن على بقاء الكيان كعامل يشفع لها لتنال حماية سيدها الأميركي، الذي بدوره بدأ عصر تسلطه وأحاديته في الأفول.


 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل