جنبلاط رهين تحالفاته ـ عدنان الساحلي

الجمعة 22 نيسان , 2022 10:16 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يتصرف النائب السابق وليد جنبلاط بتوتر هذه الايام، بما يعطي مصداقية لتوقعات خصومه بأن ما ينتظره في الإنتخابات المقبلة، في 15 أيار، أي بعد أقل من شهر، يختلف عما واجهه خلال أكثر من أربعين عاماً على تسلمه الزعامة الجنبلاطية (آذار1977)، بل على العكس من ذلك، يبدو أن ما جمعه خلال الفترة التي يسميها "مرحلة الوصاية السورية"، مرشح لخسارته في "فترة الحرية"، التي يصول فيها في لبنان ويجول، سفراء الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية وأمثالهما من فرنسيين وإنكليز وخليجيين.  

فبعد أن كان مقعد الشوف الدرزي الثاني للراحل بهيج تقي الدين؛ وبين أن يتبوأه مروان حمادة، مسافة شاسعة قطعها جنبلاط ليس زمنياً فقط، بل في تناقض وتقلب سياساته ومواقفه، في إستراتيجية يسميها أهل الجبل "الف قلبة ولا غلبة"، كانت تضمن للزعامة الدرزية الحفاظ على الدور والموقع والحجم سابقاً، فيما هي بفضل خيارات وريث كمال جنبلاط، توصله إلى نتائج تشمت عدوه وتوجع صديقه.

وشتان بين من ورث عن أبيه زعامة ما كان يسمى "الحركة الوطنية اللبنانية"؛ ويجلس ضمن حلقة تضم جورج حاوي ومحسن إبراهيم وعاصم قانصوه وإنعام رعد وسواهم؛ وبين من بات حليفه الإساس سمير جعجع، الذي قام "بغزو" مناطق الشوف وعاليه بحماية دبابات الإحتلال "الإسرائيلي" إثر إجتياحها لبنان عام 1982؛ وتسبب بمجازر دموية ومآس أدت إلى تهجير معظم مسيحيي الشوف وعاليه، في معاناة لم تعالج كل فصولها حتى اليوم. 

تلك الإستراتيجة، التي إستعملها كمال جنبلاط بذكاء جعله يقفز 180 درجة، لئلا يكون وريث سياسات والدته "الست نظيرة"، حليفة المستعمر الفرنسي وآل إده المعارضين للإستقلال عن فرنسا، فشكل الحزب الإشتراكي ليصبح على يسار زعماء المرحلة الإستقلالية، بدلاً من البقاء على يمينهم. وهو الأمر نفسه الذي اعتمده عكسياً خصمه في الزعامة الدرزية، الأمير مجيد أرسلان، الذي تنقل بين كونه أحد "أبطال الإستقلال"، ليصبح حليفاً لكميل شمعون والقوميين السوريين، في الإنخراط بسياسة الأحلاف الأميركية في خمسينيات القرن الماضي، التي كانت تهدف إلى محاصرة الإتحاد السوفياتي دولياً ومصر الناصرية عربيا وأقليمياً.

هذا الإنقلاب لوليد جنبلاط، في تبادله للمواقع والتحالفات مع الإرسلانيين، يبدو أنه فشل في رهاناته هذه المرة. فهناك حقيقة معروفة لدى أهل الجبل بأن تحول كمال جنبلاط إلى "زعيم وطني وعربي وعالمي"، كان نتيجة رهان صائب منه، دفعه للإنخراط في الحراك اليساري والعروبي في تلك المرحلة، الأمر الذي جعله خيمة تستظلها الأحزاب المناوئة للنظام اللبناني والساعية لتغيير الخيارات السياسية والإقتصادية للسلطة، خصوصاً الشيوعيين والبعثيين والناصريين وجناح من القوميين السوريين، فتلك المرحلة لم تكن منّاً وسلوى لمناضلي الأحزاب العقائدية، بل كان القمع والسجن والطرد من الوظائف العامة أمراً تواجه فيه السلطة معارضيها. وكان أن قدمت تلك الأحزاب لجنبلاط خدمة غير متوقعة، حيث كانت ساحة إستقطاب معظم كوادرها وعناصرها ونخبها الدرزية من البيئة الإرسلانية، لتجعلها بحكم واقع التحالفات، أقرب للجنبلاطيين. ومن ثم باتت تلك الكوادر والنخب خلال "حرب الجبل"، جزءاً من الحالة الجنبلاطية، قام وليد جنبلاط بالإستفادة منها إلى أقصى حد، إلى درجة كاد يلغي فيها الدور السياسي للإرسلانية، بدعم سوري معروف، جعل من "أبو تيمور" رئيساً رابعاً في تسلسل مراكز السلطة اللبنانية في ذلك الوقت.   

كان الثقل الشعبي الجنبلاطي متمركزاً في منطقة الشوف و"عاصمته" الحزبية المختارة، في حين كانت منطقة عاليه وجردها توالي الزعامة الارسلانية ومركزها مدينة الشويفات، فيما كان المتن الأعلى معقود اللواء للراحل بشير الأعور، الجامع في نيابته لتحالفات الإرسلانيين والشمعونيين والقوميين السوريين. وكانت نيابة راشيا لآل الداود. لذلك عندما قرر الراحلان كمال جنبلاط ومجيد ارسلان التحالف في وجه "الجبهة اللبنانية"، في انتخابات 1972، كانت الحصة الجنبلاطية نائباً واحداً في قضاء عاليه، هو المرحوم توفيق عساف، من أصل اللائحة السداسية. لكن حياد الزعامة الارسلانية في مراحل الحرب الأهلية، ثم خلال صعود "القوات اللبنانية" خلف الدبابات "الإسرائيلية" إلى الشوف وعاليه، جعل المزاج الشعبي يميل لصالح الحالة الجنبلاطية، المنتظمة في الحزب التقدمي الإشتراكي، خصوصاً مع تعمق تحالف الأخير مع أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وسورية، التي قاتل جيشها مع هذه القوى ضد الغزو الصهيوني. وهذه القوى مجتمعة هي التي تولت طرد "القوات اللبنانية" من الجبل، خصوصاً في معركة بحمدون الشهيرة. وفتحت طريق البقاع باتجاه بيروت. 

استفاد جنبلاط من هذا التطور الاستراتيجي لتغيير معادلات الجبل، فالاحزاب الوطنية، أوجدت مناخاً جنبلاطياً داخل العائلات اليزبكية، أتاح لجنبلاط استنزاف الحالة الارسلانية، بحيث أصبح جميع وزراء ونواب الحزب الاشتراكي في العقود الماضية، من الإرسلانيين (اليزبكيين) السابقين، باستثناء "جنبلاطي" واحد هو وائل أبو فاعور. وحالياً فإن أبو فاعور وهادي أبو الحسن الوحيدان من أصول "جنبلاطية"، في التمثيل النيابي والوزاري لجنبلاط، الأمر الذي جعله ممثلاً لأكثرية الثلثين في الدروز. وجعله صاحب القرار في ترك مقعد لطلال ارسلان في عاليه، أو إنتزاعه منه.     

لكن ارسلان وبقية أخصام جنبلاط، لم يناموا على الضيم، بل وقفوا يواجهون، فارسلان (الذي تجمعه صلة قرابه بجنبلاط)، أسس حزباً يشارك بجبهة سياسية تشبه التحالف الذي حقق فيه جنبلاط الغلبة عليه. وهو يستند إلى تحالف سياسي مع سورية وحزب الله؛ وتحالف انتخابي مع "التيار الوطني الحر" أي "العهد". مما مكنه من إستعادة قوته الإنتخابية الراجحة في الشويفات والجوار. وجاء قانون الانتخابات النسبية والصوت التفضيلي، ليسقط سيف جنبلاط الانتخابي النيابي المسلط على ارسلان، ففاز بقوته وأصواته في الإنتخابات السابقة. ويبدو أن "الثنائي الشيعي" (أمل وحزب الله) الذي لم يرض إضعاف جنبلاط في الإنتخابات السابقة، عندما امتنع عن تجيير بضع مئات من الأصوات كانت كافية لفوز وئام وهاب في الشوف؛ ومثلها للإتيان بنائب غير جنبلاطي في بيروت؛ وهو قادر على التاثير في نتيجة راشيا والبقاع الغربي، بعد أن تبنى خيار أرسلان في حاصبيا، هذا الثنائي غيّر موقفه وينوي دعم تمثيل نيابي درزي غير مسبوق في تاريخ وليد جنبلاط، تخسره صفة الزعيم الأوحد، أو الزعيم المطلق، ليعود التنوع الدرزي إلى حالته التاريخية. وليدفع جنبلاط ولو متأخراً، ثمن رهان فاشل إعتمده يقوم على دوام الأحادية الأميركية، الذي ترجمه بعدائه لمحور المقاومة وسورية، التي لا بد عائدة للعب دور مؤثر في لبنان.       
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل