دولة الإذلال والتجويع ـ عدنان الساحلي

الجمعة 29 تموز , 2022 02:13 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

تستحق الدولة اللبنانية أن تمنح لقب "دولة الطوابير". وتجدر تسمية النظام الحاكم فيها ب"نظام الإذلال والتجويع"، لما الحقوه باللبنانيين من ظلم وإجحاف وقهر وتحقير.
فمن دولة التمييز الطائفي والمناطقي والإنمائي، التي أنشأها المستعمر الفرنسي والتي إستنجدت بقوات "المارينز" في إحدى أزماتها، لتحميها من شعبها، ها نحن نعيش مرحلة التطويع المالي والإقتصادي، التي تلاقت فيها مصالح وجرائم مافيا الفساد، من زعماء الطوائف وأصحاب المصارف وأرباب الإحتكارات، مع حرب الخارج الناعمة والخشنة، لإجبار اللبنانيين على الإنضمام إلى طابور أنظمة الإستسلام العربية، المنبطحة أمام الإملاءات الأميركية وتحت أقدام الغزاة الصهاينة، الذين يحتلون فلسطين ويهددون جوارها العربي.
لم يترك المتآمرون على لبنان واللبنانيين وسيلة ضغط وإرغام إلا واستخدموها، كان آخرها قهرهم وإذلالهم اللبنانيين في طوابير الإنتظار للحصول على حاجاتهم الضرورية. فمن تقنين الكهرباء وتسليم رقاب الشعب لمافيا المولدات، التي يحميها ويشارك في أرباحها تحالف الفساد ذاته، إلى طوابير القهر أمام محطات البنزين، لساعات طويلة، في الليل والنهار، إلى إخفاء الأدوية من الصيدليات بتواطوء من المسؤولين الرسميين عن هذا القطاع، إلى أزمة الطحين والخبز المفتعلة، التي جعلت الناس تتقاتل أمام أبواب الأفران للحصول على رغيف خبز، بعد طول إنتظار في صفوف ممتدة، إلى إفتعال أسباب لقطع المياه عن السكان. وكان المدخل لكل هذه الجرائم اللعب في سعر صرف العملة الوطنية، التي تراجعت قيمتها عشرون ضعفاً خلال سنتين، مما أوهن القدرة الشرائية لمعظم اللبنانيين.
هذه المحنة ليست جديدة على لبنان واللبنانيين، فهي لعبة إجرامية مورست بحقهم في ثمانينيات القرن الماضي، بهدف صنع زعيم على شكل منقذ، تولى المضاربة على الليرة مع مجموعة المصارف المتواطئة مع المشروع الذي حمله معه، لتنفيذ الأهداف ذاتها التي يضغط الأميركي ومعه المملكة السعودية على لبنان لتنفيذها حالياً، خدمة للمشروع "الإسرائيلي" وحماية له. فكان أن إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي حينها من ستة ليرات إلى ثلاثة آلاف ليرة، ليقوم "المنقذ" بتربيح اللبنانيين جميلة تخفيض سعره وتجميده على الف وخمسمائة ليرة. وعندما لم ينجح أداة المشروع إلا في سرقة البلد وتحويل وسط بيروت إلى ملكية خاصة سماها "سوليدير"،  قتله مشغلوه ليحدثوا فتنة، لكنهم فشلوا حتى الساعة في تمرير مشروعهم، فكانت حرب الإخضاع المالي والإقتصادي التي نعيش فصولها حالياً. والتي تتركز لتحقيق أهداف عدة تطلبها دول الهيمنة، التي تتحكم بقرارات الحاكمين في لبنان.
أول ما تعمل عليه مافيا الفساد في لبنان، هو تلبية مطالب صندوق النقد الدولي، التي تنفذها مطلباً إثر آخر، بعد أن يتم وضع اللبنانيين تحت مقصلة الخيار الأسوء ليقبلوا بما هو أقل سوءاً، فبين فقدان مادة البنزين، مثلاً والإنتظار لساعات أمام محطات المحروقات للحصول عليها، كان الحل السحري هو سكوت اللبنانيين عن رفع الدعم عن المحروقات، ليرتفع سعر صفيحة البنزين عشرون ضعفاً. وهكذا الأمر مع ربطة الخبز وعلبة الدواء، ناهيك عن فواتير مولدات الكهرباء الخاصة التي تأكل معظم مداخيل محدودي الدخل من المواطنين.
ثاني تلك الأهداف، فرض القبول بالإملاءات الأميركية المتبنية للمطامع "الإسرائيلية" في حقول النفط والغاز، الواقعة في المناطق البحرية الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة. حيث يسود الغموض موقف الحكومة وكبار المسؤولين، في تحديد حقوق لبنان، هل هي في الخط 23 أو 29 ولماذا يجبن المسؤولون عن تبني الخط 29 الذي أعلن فنيو الجيش اللبناني أنه حق قانوني للبنان.
لماذا الإصرار على تلبية شروط صندوق النقد؟ لأن الذين سرقوا أموال اللبنانيين وصرفوها على تعهدات الفساد والهدر والمحسوبيات، يريدون الإستمرار في سياسة الإستدانة التي أوقعت لبنان تحت ديون فاقت المائة مليار دولار، ليواصلوا تمويل سرقاتهم وفسادهم.
ومثلما نفذت الحكومة مطلب صندوق النقد بتحرير سعر صرف العملة، تقوم بتلبية شرطه برفع الدعم عن كل السلع الحيوية. وهي تعمل خطوة خطوة لإعادة النظر في أعداد موظفي القطاع العام، حيث راينا اللجنة الوزارية تحاول بطريقة إحتيالية توريط موظفي الدولة بمساعدات مالية تحولهم فيها إلى مياومين، في إصرار مشبوه على تنفيذ المشروع القديم الساعي إلى خصخصة كل قطاعات الدولة وبيعها للقطاع الخاص. وهذا أبرز أسباب أزمة الكهرباء، لأن رئيس الحكومة منذ ثلاثة عقود عمل بقوة لشل عمل مؤسسة كهرباء لبنان، بهدف بيعها إلى شركة كهرباء فرنسا بالمجان. وتبقى عين الحكومة وكل المسؤولين على أملاك الدولة لبيعها للفاسدين أنفسهم، ليشترونها بالأموال التي سرقوها من اللبنانيين. ولا ننسى الذهب، فمن أفلس خزينة الدولة وخرق كل المحرمات، لن يتوانى عن بيع الذهب ليمول فيدرالية الطوائف وزبانيتها. وهذا يضع البلد والناس أمام مرحلة أقسى من الضغوط وحرب الإفقار والتجويع، التي ستستمر وستزداد شراسة، طالما أن الحاكمين ينفذون خططهم وطالما أن الشعب عاجز عن الفعل ورد الفعل.  

 

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل