اميركا.. وفشل استراتيجية العقوبات القاتلة ‎‎ـ يونس عودة

الثلاثاء 02 آب , 2022 09:10 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

مع بداية الشهر السادس  من العملية الروسية لتحرير اقليم الدونباس والقضاء على التشكيلات الفاشية والنازية في اوكرانيا , والتي عملت بحماية ورعاية السلطات الاوكرانية , وبمظلة اميركية واطلسية عموما , وانخراط كل اولئك في العمليات العسكرية الدائرة سواء مباشرة من خلال خبراء تولوا إدارة العمليات ضد القوات الروسية او عبر استقطاب مرتزقة للقتال الى جانب القوات الاوكرانية , او عبر التسليح المتطور والتدريب عليه , وكذلك في حملات الحرب النفسية والدعاية الاعلامية على الطريقة الغوبلزية او غير مباشرة بوسائل متعددة , ها هي الخطط الاميركية والاطلسية , وضمنا الاتحاد الاوروبي المترنح , تعلن بنفسها عن الفشل في امكانية لي ذراع روسيا.

ان استراتيجية العقوبات القاتلة التي اعتمدها الغربيون  , من الغاز والنفط والتحويلات المصرفية ومصادرة املاك واموال متمولين ورجال أعمال روس , الى اقفال اجواء دولية الى ضرب خطوط التوريد العالمية للحبوب والاغذية والأسمدة ,, الخ ,,ذات المنشأ الروسي , بانها ستكون الحل الذي يجعل روسيا تجثو على قدميها , ارتدت عكسيا بصورة ربما تدعو الى الشماتة , لولا ان الغذاء العالمي ,بغض النظر عن قصر نظر الحكام  , وحده يشفع للتفكير بقلب رحوم , وعقل مستنير  لتأمين أسس الغذاء لشعوب العالم .وبالتالي , فان تلك الاستراتيجية ذات المنشأ الاميركي , لم تفشل فقط , وانما ارتدت على صناعها أصحاب العقل الاجرامي الملوث للبشرية .اولئك الذين يعملون على أمركة العالم في هذه الثقافة اللانسانية .

بعيدا عن التحليل , وانما للتدليل على ذلك يمكن الاستناد الى استنناجات غربية - اطلسية وأوروبية، تعكس الحال التي وصلت إليها البشرية , ولا سيما في الدول التي ارتعبت أنظمتها من التهديد والابتزاز من جانب الادارة الاميركية , وهذه الدول نزلت بها عواصف سياسية - اجتماعية, وبدأت بعض الدول فعلاً في التمرد على الضغوط الاميركية افراديا فيما ينتظر ان يعلن الاتحاد الاوروبي بمجموعه الرضوخ لقوة روسيا ,ومن باب لقمة الخبز بعد أن دفعت السياسة الاميركية شعوب حلفائها الى حافة المجاعة، ويبدو أنّ الاتحاد الأوروبي وافق ورضخ للشروط الروسية، بالسماح بتصدير القمح الروسي نحو العالم. وستصدر مسودة القرار الأوروبي، الذي وافق عليه سفراء الاتحاد، بانتظار اعتماده رسمياً.

لم يكن الاتحاد الاوروبي ليصل الى هذه النتيجة لولا الضغط الشعبي المتعاظم مع اقتراب فصل الشتاء القارس, وهنا نماذج من مئات في تقييم السياسات الاوروبية ,مسبوقة بتقييم أميركي على لسان  العقيد المتقاعد من المخابرات الجوية الأميركية. ميرفي دونوفان ألذي قال  أنه لا يزال أمام أوكرانيا، وكذلك أوروبا والولايات المتحدة، التي تواجه عاصفة سياسية واقتصادية ذات "أبعاد ملحمية"، أن تجتاز فصل الشتاء، , "حتى الآن، الروس يربحون.. في الحقيقة، لا أحد يخوض الحرب والشتاء مثل الروس".

اذاً الشتاء ايضا في مصلحة روسيا التي ساهم شتاؤها في هزيمة الجيوش النازية في الحرب الوطنية العظمى ( العالمية الثانية)وقبلها هزيمة نابليون التاريخية , وهذا ما يدركه الاوربيون عموما , الذين باتت غالبية قياداتهم اشبه بدمى اميركية , وفي السياق, اتهمت وزيرة خارجية النمسا السابقة المخضرمة كارين كنيسل، قادة الاتحاد الأوروبي بالجهل والغطرسة، بسبب تجاهلهم للتوافق الجيوسياسي والمبادئ الأساسية للدبلوماسية في تعاملهم مع روسيا.وقالت نعتقد أننا عظماء لدرجة أنه لا يمكن لأحد الاستغناء عنا.. يبدو لي أن أوروبا بحاجة إلى روسيا أكثر مما تحتاجه روسيا,و أن الأوروبيين بدأوا الآن يشعرون بخيبة الأمل واليأس بشكل متزايد، مما قد يؤدي إلى أعمال شغب واحتجاجات مناهضة للحكومة. وأضافت أنها تعتبر الأزمة في الاتحاد الأوروبي نتيجة الإدارة الداخلية غير الفعالة، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية أصبحت لاعبا ضعيفا بشكل متزايد على الساحة الدولية.

في السياق وضمن تحقيق موثق مع خبراء خلصت  صحيفة "ديلي إكسبرس" البريطانية الى أن العقوبات القاسية ضد روسيا  تلحق المزيد من الضرر بأوروبا وسط مخاوف من أن تغرق القارة في أكبر أزمة مالية في تاريخها.وأن مئات الملايين من الأوروبيين يواجهون شتاء قارس البرودة، وقد تم حثهم على تقنين الغاز مع خفض روسيا إمدادات الغاز و"احتمال قطعها عن القارة بشكل كامل"، وفرنسا ليست اقل جزعا من بريطانيا التي تزخم الفتن الاميركية , وفي الاستنتاج ,قال  زعيم حركة "Generation Frexit" الفرنسية شارل أنري غالوا: "بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا، تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز الروسي. وستعاني فرنسا أيضا، لأن روسيا كانت موردا هاماً للنفط". ووصف العقوبات ضد روسيا بأنها "انتحار لأوروبا"، وحث الاتحاد الأوروبي على إلغاء العقوبات وإلا "ستواجه القارة خطر الانزلاق إلى أكبر أزمة مالية شهدتها على الإطلاق".

لقد صوتت هنغاريا،ضد اقتراح الاتحاد الأوروبي لخفض استهلاك الغاز، ووصفت الخطة بأنها "غير قابلة للتنفيذ"وقال وزير الخارجية بيتر سيارتو في تصريح من بروكسل، بعد موافقة وزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي على الاقتراح: "كنا الوحيدين الذين أشاروا إلى أننا سنصوت ضد هذا المرسوم، بالنظر إلى أنه يتجاهل تماما مصالح شعبنا".وهو "اقتراح غير مبرر وعديم الفائدة وغير قابل للتنفيذ وضار"

ليست الصرخة المتصاعدة في اوروبا فقط بسبب الحاجة الماسة للغذاء وانتاجه ,والتدفئة , وحركة الانتاج الصناعي المتراجعة باضطراد والتضخم الهائل بحيث ان اليورو تراجع الى مستوى الدولار لأول مرة منذ عشرين عاما, بل لفقدان اوروبا التأثير السياسي على المسرح العالمي , ولو كان ظاهريا , وتساقط الحكومات جراء الازمة العاصفة ليس الا نذر العاصفة الاتية , وستمون المانيا صاحبة أكبر اقتصاد اوروبي في مهب العاصفة بعد بضعة اشهر ,وكشفت دراسة جديدة أجرتها غرفة التجارة والصناعة الألمانية، عن اضطرار المزيد من الشركات في البلاد لوقف إنتاجها أو تقليصه بسبب الزيادة الشديدة في أسعار الغاز.فيما العديد من الدول بدأت برنامج تقنين كهرباء لافت وصل الى تخفيض ساعات التغذية في مخازن البيع "السوبر ماركت والمولات إضافة الى الاماكن السياحية والمقرات الرسمية مثل المانيا , الا ان المخاوف تتجاوز ذلك الى حد تفكك سريع للاتحاد , وفي هذا الاطار ذكر، برناردو دي ميغيل، أحد كتاب صحيفة "إل باييس" الإسبانية أن بروكسل تخشى من احتمال أن تصبح إيطاليا  بعد استقالة رئيس الوزراء ماريو دراغي "حصان طروادة" لروسيا في أوروبا.وأوضح صاحب المقال أن بروكسل قلقة بشأن موقف إيطاليا، لأن روما تعتمد بشكل كبير على إمدادات الهيدروكربونات الروسية.

من الواضح ان سلاسل توريد القمح والحبوب ستدب بها الحياة مجددا على ضوء اتفاق اسطنبول بين روسيا وتركيا والامم المتحدة وفق الرؤية الروسية  , كما ان التمرد على الموت صقيعا , سيؤدي حتما الى استنجاد اوروبا بالنفط والغاز الروسيين على الرغم من قرار الاعتماد عليهما , والدفع سيكون بالروبل , فيما يستعد  الاتحاد الأوروبي لبحث رفع بعض العقوبات عن الروس، بسبب ضعف أساسها القانوني.

لكن يبقى في الاصل كيفية معالجة العقل الاميركي المسكون بالفتن لسرقة الثروات والهيمنة على الانظمة , وجر الشعوب والدول الى الهلاك جوعا وقتلا وتدميرا, وكل ذلك لا يمكن الَّا ان يكون بالمواجهة ,, ويبدو ان ذلك آت حتما, لأن علة الافاعي  تكمن في  رأسها , وهو الأضعف في تكوينها .


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل