نظام لا ينتج إلا الأزماتِ ـ أحمد زين الدين

الخميس 18 آب , 2022 10:03 توقيت بيروت أقلام الثبات

النظام ـ الأزمة: 1475 يوماً من الفراغ الرئاسي
وأكثر من 1650 يوماً لتشكيل الحكومات

أقلام الثبات

بات واضحاً من كل التجارب والممارسات السياسية أن النظام السياسي في لبنان، قد أدى خدماته، وبات عائقاً أمام تطور البلد، لا بل صار منتجاً للأزمات والحروب الأهلية وتكريس اللاعدالة، فإذا كان هذا النظام ما قبل اتفاق الطائف (1989) ينتظر ما أطلق عليه الوحي من الخارج لانتخاب رئيس للجمهورية فإنه بعد الطائف، تكرس وضع البلد تحت الوصاية، التي كان هناك إجماع عربي ودولي على تكليف سورية بها، فاستطاعت أن توفر مساحة زمنية واسعة، (1989-2005) من الاستقرار السياسي، لكن بعد خروجها من لبنان، (فلت الملق)، وبانت عيوب النظام بشكل مثير، فتعددت الأزمات وتنوعت الفضائح السياسية، والتي كانت قبل 2005 تختبئ تحت مظلة الوصاية السورية".

لقد قلص اتفاق الطائف صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل جعله مُقلَّم الأظافر، فرئيس الجمهورية حسب الدستور: "هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور، يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء".

اتفاق الطائف جعل رئيس البلاد حكماً، لكن بلا صفارة، وجعل السلطة بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، (أي نوع من القيادة الجماعية لأطراف متعددة الميول والاتجاهات)، وفيما جعل حق رئيس مجلس الوزراء، أو أي وزير مطلقاً برفض أي قانون أو قرار، كبل رئيس الجمهورية بمهل زمنية.

وللتذكير فقط، فإنه في عهد الرئيس إلياس الهراوي، أقر في 18 آذار 1998، مجلس الوزراء "الزواج المدني" وبصرف النظر عن القناعة بهذا الأمر، فإن 24 وزيراً وافقوا على المشروع ورفضه ستة بينهم اثنان متزوجان مدنياً، لكن رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري رفض توقيعه، وبالتالي لم يمر.

وإذا كان رئيس الجمهورية محكوماً بمدة معينة للتوقيع على أي مرسوم أو قانون، فإن الوزير المعني غير ملزم بأي مهلة.

إلى ذلك، فإن اتفاق الطائف الذي حدد بنوداً إصلاحية قليلة جداً، لم ترَ النور، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نصت المادة 95 من الدستور الذي عدل بعد اتفاق الطائف: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الانتقالية:
أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب- تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

ورغم انتخاب أول مجلس نواب في خريف عام 1992 على أساس المناصفة، لم يجر تطبيق هذه المادة، لا بل تكرست الطائفية أكثر تحت عنوان: الميثاقية، والعيش المشترك، وهلم جرا، حتى تعيين مأموري أحراج مثلاً صار قضية ميثاقية ووطنية!؟

بأي حال، بعد 13 يوماً يدخل لبنان في حيز المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية عملاً بالمادة 73 من الدستور التي تنص: "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد، وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض، فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء الرئيس".

كما نصت المادة 75 من الدستور: "أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر"، ويبدو أن لبنان يتجه مرة جديدة نحو فراغ رئاسي وحكومة تصريف أعمال انتهت صلاحياتها، مع بدء ولاية مجلس النواب الجديد في 22أيار الماضي، ووسط أزمة مالية واقتصادية ومعيشية وسياسية غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، رغم انه مر سابقا في مراحل من الفراغ الرئاسي والأزمات الحكومية.

على مستوى الفراغ الرئاسي، كان الرئيس امين الجميل قد دشن هذا الفراغ في نهاية ولايته في 23 أيلول 1988، حين مغادرته القصر الجمهوري من دون أن يسلم الأمانة لرئيس يخلفه، فاستمر الفراغ الرئاسي 405 أيام وانتهى بإنجاز اتفاق الطائف وانتخاب الرئيس رينه معوض الذي اغتيل في يوم عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1989، لينتخب بعده الرئيس الياس الهراوي في 25 تشرين الثاني، أي بعد ثلاثة أيام.

وتكرر الفراغ الرئاسي بعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحود لمدة 181 يوما، من 25 تشرين الثاني 2007 حتى 25 أيار 2008، أي ستة أشهر. حيث تم انتخاب الرئيس ميشال سليمان الذي اعقبه فراغ استمر 889 يوما، من 24 أيار 2014 حتى 31 تشرين الأول 2016، أي نحو سنتين وخمسة أشهر و9 أيام.           

وفي خلاصة الفراغ الرئاسي الذي عاشه لبنان منذ نهاية ولاية أمين الجميل يكون قد مر على لبنان 1475 يوما والكرسي الأولى فارغة أي نحو اربع سنوات و15 يوما.

فكيف إذا اضفنا الى ذلك المدة التي استهلكت في تشكيل الحكومات وخصوصا، في مرحلة اتفاق الطائف، وتحديدا بعد العام 2005، حيث استغرق تشكيل ست حكومات في عهد الرئيس الياس الهراوي الذي استمر تسع سنوات (1989 -1998 )48 يوما فقط على النحو الآتي:
سليم الحص: 13 يوماً.
عمر كرامي: 5 أيام.
رشيد الصلح: 4 أيام.
رفيق الحريري: 8 أيام.
رفيق الحريري: 4 أيام.
رفيق الحريري: 4 أيام.
المجموع: 48 يوماً.

في عهد الرئيس إميل لحود (1998-2007).
شكلت أيضاً ست حكومات استغرق تشكيلها كلها 41 يوماً، نصفها استغرقها تشكيل حكومة السنيورة الأولى وكانت على النحو الآتي:
سليم الحص: يومان.
رفيق الحريري: 4 أيام.
رفيق الحريري: يومان.
عمر كرامي: 8 أيام.
نجيب ميقاتي: 5 أيام.
فؤاد السنيورة: 20 يوماً.
المجموع: 41 يوماً.

وفي عهد الرئيس ميشال سليمان استغرق ست سنوات (2008-2014) شكلت أربع حكومات استغرق تشكيلها نحو 720 يوماً على الشكل الآتي:
فؤاد السنيورة: 45 يوماً.
سعد الحريري: 220 يوماً.
نجيب ميقاتي: 140 يوماً.
تمام سلام: 315 يوماً.
المجموع: 720 يوماً.

أي أن عملية تشكيل الحكومات الأربع استغرق نحو ثلث ولاية العهد.

اما في عهد الرئيس ميشال عون فقد استغرق تشكيل 4 حكومات إضافة الى اعتذارين عن التشكيل لكل من الرئيس سعد الحريري والسفير مصطفى أديب 739 يوما يضاف اليها نحو شهر بعد استقالة حكومة الحريري الثانية في عهد عون مضى نحو شهر في طرح أسماء لرئاسة الحكومة ففرضت فيتوات عليها من قبل "تيار المستقبل" ورؤساء الحكومات السابقين، فرفضوا سمير الخطيب، وبهيج طبارة وغيرهما. ليرسي الامر بعدها على الرئيس حسان دياب. كما يضاف الى ذلك، تكليف الرئيس ميقاتي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة بتشكيل الحكومة الجديدة في 23 حزيران الماضي والتي لم تبصر النور بعد، وقد لا ترى النور بتاتا، مما يعني ان لبنان سيكون امام مرحلة جديدة لم يمر بمثلها سابقا إذا مر 31 تشرين الأول المقبل، ولم يجر انتخاب رئيس جديد، لأن الحكومة القائمة حاليا هي في طور تصريف الأعمال، بفعل بدء ولاية مجلس نواب جديد منذ 22 أيار الماضي.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل