السقف الواطي يشجع الطامعين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 19 آب , 2022 11:19 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

وضعت الحكومة اللبنانية ومعها باقي المرجعيات السياسية والرسمية، نفسها في موقع الإتهام، بأنها تفرط بحقوق لبنان السيادية من جهة؛ وتخشى إغضاب الموفدين الأميركيين وتهديداتهم للمسؤولين اللبنانيين، بمعاقبتهم ومصادرة ثرواتهم، التي جمعوها من نهبهم لأموال خزينة الدولة وأموال اللبنانيين المودعة في المصارف، التي قام السياسيون والنافذون وكبار المودعين بتهريبها إلى الخارج، لتبقى أموال صغار المودعين ضائعة غير معروفة المصير، يتلاعب فيها مزاج ومصالح أصحاب المصارف وشركائهم من زعماء الطوائف وكبار السياسيين.

وكيف لا يتهم اللبنانيون حكومتهم، حتى لو كانت مستقيلة تصرّف الأعمال؛ ومعها الرؤساء والزعماء، بالتفريط يحقوق لبنان والخضوع للضغوط الأميركية و"الإسرائيلية"، طالما أنهم لم يكلفوا أنفسهم التوضيح لمواطنيهم، سبب تخليهم غير المبرر عن الخط البحري 29، الذي أعلن خبراء الجيش اللبناني أنه خط الحدود البحرية الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة.

فالحكومة والمعنيين بالتفاوض مع الوسيط الأميركي الصهيوني، الذي يحمل الجنسية "الإسرائيلية"، عاموس هوكشتاين، ينتظرون رداً منه على عرض سبق أن قدمه له الرئيس ميشال عون شفهياً، بشأن ترسيم الحدود مع الكيان المحتل، يعتمد على استرجاع حقل قانا كاملا مع تعديل الخط 23. وذلك بعد إتفاق عون مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في هذا الشأن.

واللافت، أن الرؤساء الثلاثة، بدلاً من رفع سقف تفاوضهم بإعلان حق لبنان بأن يستند ترسيم حدوده إلى الخط 29، لمواجهة طروحات العدو "الإسرائيلي" وأطماعه، إكتفوا برفض الإقتراح الذي حمله هوكشتاين والقاضي بتقاسم أرباح حقل "قانا"، من خلال قيام شركة واحدة باستخراج الغاز وتقاسم عائداته بين لبنان و"إسرائيل". وهذا الإقتراح يورط لبنان بالتنازل عن جزء كبير من حقوقه، كما يدفعه لتطبيع علني للعلاقات مع العدو المحتل.

ويبدو أن هاجس العدو من وراء الإقتراحات التي يقدمها، يتعلق بمصير انبوب نقل الغاز من سواحل فلسطين المحتلة باتجاه قبرص أو تركيا، باتجاه أوروبا. لذلك حمل هوكشتاين إلى بيروت طرحا "إسرائيلياً" لترسيم الحدود البحرية، وفق مسار متعرج يعتمد الخط 23 قاعدة انطلاق له، على أن ينحرف لاحقا ليمنح "إسرائيل" مساحة شمال هذا الخط؛ وصولا إلى نقطة خط الوسط بين لبنان وقبرص. ولعل هذا السبب يقف خلف تقدّم عضو تكتّل "لبنان القوي" النّائب سيزار أبي خليل، باقتراح قانون إلى المجلس النيابي يتعلّق بالكابلات والأنابيب البحريّة المغمورة في المياه البحريّة اللّبنانيّة.

في المقابل، يتلهى المعنيون في لبنان بصراعاتهم على تشكيل حكومة تخلف حكومة ميقاتي المستقيلة، أو تعويم الأخيرة. وكذلك  يختلفون على موعد ومصير إستحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويتبارون حول من المخول بصلاحيات معالجة الأزمات، التي يسببها بقاء أكثر من مليونين من النازحين السوريين في لبنان، منذ أكثر من عشر سنوات. وفي من عليه متابعة ملفهم مع السلطات السورية، في ظل أزمة مالية واقتصادية تطبق على خناق اللبنانيين.

وفيما لا تصدر عن الرؤساء اللبنانيين الثلاثة ما يطمئن اللبنانيين إلى حقيقة موقفهم من الخط 29، خصوصاً أن الضغوط الغربية والأميركية والإقليمية شديدة للقفز فوق العقدة اللبنانية، نظراً لحاجة أوروبا لبديل عن الغاز الروسي. يبدو التنازل اللبناني عن هذا الخط والقبول بفكرة "حقل قانا مقابل حقل كاريش"، شراء لسمك في البحر، فلا شيء حتى الساعة يؤكد أن حقل قانا يحوي كميات تجارية من الغاز. وبالتالي ليس هناك ما يؤكد وجود ما يشبع نهم الفاسدين من الحكام اللبنانيين، فيكون تنازلهم وتفريطهم الذي يبلغ حد الخيانة، ناتج عن خوفهم من الأميركي ومن عقوباته بحقهم، التي يلوح لهم بها. وليس عن طمع بوجود ثروة منتظرة. وقد بدأت "إسرائيل" بالفعل في التنقيب والانشاءات في جانبها، بينما لم تحدد السلطات اللبنانية رسمياً بعد حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة؛ ولم تبدأ أي عملية لاستدراج المزايدات لحقوق التنقيب.

هذا الواقع المزري لبنانياً، يؤكد أن القوى المسايرة للضغوط الأميركية والغربية ما زالت هي صاحبة القرار في لبنان. وان جماعات التطبيع مع العدو، على طريقة زيارات المطران موسى الحاج وشركته لنقل أموال العملاء إلى الداخل اللبناني، هي الأكثر تأثيراً على قرارات الدولة. وأن المقاومة تقف وحيدة في مواجهة هذا التفريط الخياني، الذي يبتهج العدو "الإسرائيلي" به، لأنه يحقق له إنتصاراً بإعطائه حقل "كاريش" كاملاً. فالمقاومة وحدها تقول أن كلاً من حقلي داليت وتمار يتبعان للبنان. وتحذر "إسرائيل" من استخراج الغاز منهما. وتؤكد أنها لن تتوانى عن استخدام السلاح للدفاع عن الثروات الطبيعية اللبنانية. وسط صمت المعنيين وتشكيك جماعات "إسرائيل جارتنا". بما يهدد بمصير لحدودنا البحرية الجنوبية يشبه مصير القرى الـ 13 المحتلة، التي إصطلح على تسميتها بالقرى السبع. فهذه بدورها نسيها تجار السيادة في لبنان وأسقطوها من شعاراتهم الكاذبة حول الحرية والسيادة والإستقلال.

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل