ترسيم الجائعين ـ عدنان الساحلي

الجمعة 23 أيلول , 2022 11:50 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يبدو لبنان الرسمي على شفير هاوية بحرية، يتنازل فيها بالترسيم الجاري، عن حدودنا المائية الجنوبية. لأنه مستضعف وخائف تحت سيف الإملاءات والضغوط الأميركية، التي تهدد المسؤولين بعقوبات، أقلها وضع اليد على أموالهم التي جمعوها بالحرام، من سرقاتهم لخزينة الدولة ولأموال المودعين في المصارف. لكن هذا اللبنان الرسمي، مستقو في الوقت نفسه، على اللبنانيين وغير عابىء بردات فعلهم، لأنه يقهرهم ويبتزهم بأبشع حملة إفقار وتجويع، بعدما أفرغ خزينتهم وهدر مدخراتهم ومداخيلهم، فتدنى سعر صرف عملتهم الوطنية إلى مستوى غير مسبوق، من دون وجود بصيص أمل بتدارك منظور لهذا الواقع. وكأن المقصود من إذلال الشعب بالتجويع والإفقار، هو إسكاته عما سيتم التنازل عنه من حقوق سيادية ومياه وثروة وطنية.

بات معلوماً أن المبعوث الأميركي-"الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، بعدما إطمأن إلى خضوع المسؤولين اللبنانيين وقبولهم لقاءه والتفاوض معه، مع أنه يحمل الجنسية "الإسرائيلية" وسبق له أن خدم في جيش الإحتلال، الذي يحتل أجزاء من لبنان، شرع في تفصيل التنازلات التي يطلبها منهم، فكانت الأصوات التي نادت بقانا مقابل كاريش، أي عصفور على الشجرة مقابل التخلي عن ثروة مؤكدة، دفعة على حساب التنازلات والإذعان الرسمي. فللبنان حق ثابت في حقل كاريش، الذي لم يسمع صوت في لبنان يطالب به، سوى صوت أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي اعتبر الحقل متنازع عليه. في حين أن لبنان الرسمي وعلى أعلى المستويات، صم بكم لا يجرؤون على إتخاذ موقف مبدئي وشجاع، بتعديل المرسوم 6433 بما يتلاءم مع الخط 29، الذي يشكل الحدود البحرية اللبنانية، إنطلاقاً من صخرة الناقورة، التي تعلّم اللبنانيون في المدارس، أنها معلم حدودي مع فلسطين الحتلة.

 وتخلف المسؤولون وما زالوا، عن لزوم إبلاغ الامم المتحدة بهذا التعديل. وتركوا المقاومة لوحدها تهدد الشركة التي تعمل في حقل "كاريش" (إنرجيان) بالتوقف عن العمل، ليتهموا المقاومة لاحقاً، بأنها هي التي تمنع إنتشال لبنان من أزمته المالية، التي سببها فساد زعمائه وسوء إئتمانهم على خزينته، قبل تأثيرات الحصار الأميركي المفروض عليه. في حين أن حقل قانا الذي يروج البعض بمقايضة الحصول عليه كاملاً، مقابل التنازل عن المنازعة على حق لبنان في حقل "كاريش"، هو حقل وهمي حتى الساعة، لا يوجد ما يؤكد أنه يحوي غازاً أو نفطاً. وهذا ما تعلنه أصوات وطنية عديدة، مدنية وعسكرية، ترفض القبول بهذه الخدعة التي تسلب من لبنان حقاً وتعطيه للعدو الطامع، مقابل وهم إسمه "حقل قانا".

كعب أخيل اللبناني في هذه التراجيديا التي ترقص على جوع اللبنانيين وتستثمر بجريمة إفقارهم، هي التنازل عن الخط البحري 29 والترسمل بالخط 23، الذي سبق لرئيس الوفد التقني العسكري اللبناني المفاوض، حول الحدود البحرية الجنوبية، العميد الركن بسام ياسين، أن أوضح أن الخط 23 وضعته "إسرائيل" بتاريخ 1/3/2009 لحماية بلوكاتها النفطية. ومن ثم اعتمده لبنان خطأ في العام 2010 وابلغه الى الأمم المتحدة. علما ان الخط 23 غير قانوني وهو بالتالي ساقط بالأساس، كونه لا يستند الى أي وثيقة ترسيم دولية. وأكد ياسين حينها، انه لن يدافع عن هذا الخط لا على طاولة المفاوضات مع العدو "الإسرائيلي"؛ ولا في اي محفل دولي. معتبراً أن أكبر جريمة ترتكب بحق لبنان، هي التمسك بالخط 23 لان ذلك يعني التمسك بالترسيم "الإسرائيلي" اللاقانوني واللاشرعي.

والأهم في كلام ياسين، الذي يتجاهله حكام النهب والفساد، الذين لم يرف لهم جفن، فيما هم يروضون الشعب اللبناني في طوابير إستجداء الحصول على المحروقات والكهرباء والخبز والدواء، قوله إن العدو "الإسرائيلي" كان يرفض بشكل قاطع مجرد النقاش بالخط 29، لمنعه من ان يتحول الى نقطة تفاوض، ليقينه بأن هذا الخط هو الخط الرسمي والقانوني؛ وليس الخط 23".

إذاً، فإن ما يجري على صعيد الترسيم مع العدو بوساطة "الإسرائيلي" هوكشتاين، هو إذعان كامل، إذعان الجائعين اللبنانيين مسؤولين ومواطنين. فالمواطن الجائع حائر في تحديد أولوياته، هل هي لقمة العيش وضرورياته، أم مصير الوطن وحقوقه في أرضه وثروته. والمسؤول اللبناني جائع إلى المال، الذي يلوح له في إستخراج الغاز من البلوكات الوطنية، التي يعرف المسؤولون منذ عشرات السنين، أن بعضها ذاخر بالثروة الغازية والنفطية، لكن الأوامر الأميركية ومصالح شركات البترول، كانت تمنع أي عملية إستخراج للنفط، ليس فقط من البحر، بل كذلك من الآبار التي سبق أن حفرت في بعض المناطق اللبنانية؛ وجرى إقفالها بصب الرصاص عليها، تحت حجج واهية.

وما يدعو للسخرية، أن مسؤولي العدو "ألإسرائيلي"، يقومون بدورهم في تمرير خدعة أن لبنان يحقق إنجازات في تفاوضه مع هوكشتاين؛ وأن "إسرائيل" تقدم تنازلات له، للتغطية على إذعان السلطات اللبنانية بتراجعها عن الخط 29، في ما يعتبر بكل الحسابات، خيانة عظمى، يتحمل مسؤوليتها المتنازلون عنه، بغض النظر عن هويتهم السياسية. والدولة اللبنانية، من رأس الهرم الى قاعدته، تحت مرمى أنظار اللبنانيين وتحت مساءلتهم. فأما أن تضمن حقوق لبنان النفطية ضمن مياهه الإقليمية والدولية؛ وتحديدا ضمن الخط 29؛ وتجبر هوكشتاين والمفاوض "الإسرائيلي" على الجلوس على طاولة المفاوضات في الناقورة، وفقا للشروط اللبنانية؛ وأما فإن اللبناني المتألم والجائع والمظلوم لن يرحمهم ولن يسكت عن جريمتهم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل