مقايضة الترسيم بالحصار ـ عدنان الساحلي

الجمعة 21 تشرين الأول , 2022 01:56 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام ـ الثبات

سار حكام لبنان على درب أنور السادات وبالرعاية الأميركية ذاتها؛ وبالتواطؤ السعودي نفسه، فجرى تقصّد إفقار لبنان وإغراقه بالديون، ليتسنى فرض ما لا يمكن قبوله في ظل ظروف طبيعية. وها هي أصوات بعض المدافعين عن تفاهم الترسيم البحري، تعترف بأن ما جرى هو أفضل الممكن؛ وأن ليس بالإمكان أكثر مما كان.

ومنذ ثلاثة عقود، لم ينسَ اللبنانيون ما قيل لهم عند بدء تراكم الديون على دولتهم، من أن تلك الديون ستقوم دول الخليج النفطية بإيفائها عندما ينضم لبنان إلى "قافلة السلام العربية"، أي إلى طابور المطبعين مع العدو "الإسرائيلي" والمعترفين به. كان فخا يدفع اللبنانيون ثمنه هذه الايام من عيشهم وكرامتهم ومصير أبنائهم، الذين يهاجرون بحثاً عن عمل وعن لقمة عيش.

وشاهد اللبنانيون بأم العين، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كيف تواطأ حكامهم وزعماؤهم مع الحصار الأميركي، فهربوا أموالهم إلى الخارج؛ وتركوا المصارف تخالف القوانين وتضرب بعقودها مع مودعيها عرض الحائط، فتقفل أبوابها حيناً؛ وتحتجز أموال المودعين وتفرض عليهم سحب النذير منها، بما يوازي أقل من قيمتهاالمتداولة. كل ذلك، لكي يقال أن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، إنجاز لأنه يضع لبنان على خارطة الدول النفطية. ولكن بثمن لا يجرؤ المسؤولون على الإقرار به حتى الآن.

وتأتي أقوال "الوسيط" الأميركي- "الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، الضابط السابق في جيش العدو، لتؤكد حصول هذا التفريط، فهوكشتاين عندما يكون في فلسطين المحتلة، يطمئن "الإسرائيليين" إلى أنهم رابحون بتنجنبهم الحرب مع لبنان. وفي لبنان يطمئن اللبنانيين إلى أنهم كسبوا ما كان محرما عليهم الحصول عليه. لكنه لا يخفي (أن الاتفاق البحري بين لبنان و"إسرائيل" مفيد للأمن الإسرائيلي"). فكل همه هو تحييد تهديدات المقاومة وتجنب رفضها لهذا الترسيم الذي حدث، بعد أن وضعت المقاومة بين فكي كماشة: أما أن تقبل بمثل هذا الترسيم، على وعد إخراج لبنان واللبنانيين من الحصار الأميركي، الذي أوصل 80 في المئة من اللبنانيين إلى حدود الفقر والجوع، حسب الإحصاءات المتداولة. وأما يتم تحميلها مسؤولية هذا الفقر والجوع، معطوفاً على إحتمال وقوع حرب لا يحتمل نتائجها مجتمع فقير ومنهوب مثل المجتمع اللبناني.

ويدعي هوكشتاين أن الترسيم الذي رعاه "خرج منه الجميع منتصرين". و(أن "إسرائيل" تريد حصتها الاقتصادية بالطبع، لكنها تريد بالمقابل استقراراً في البحر الأبيض المتوسط). ليضيف: (وهيمنة "إسرائيل" على البحر الأبيض المتوسط، هي نتيجة لنجاحها الهائل في تطوير مثل هذه الكمية الكبيرة من الغاز الطبيعي).

ويلفت هوكشتاين، في إقرار منه بحصول تفريط بالحدود من الجانب اللبناني، إلى (أن خط الحماية لم يكن الحدود الرسمية بين "إسرائيل" ولبنان. والآن وافق لبنان على الاعتراف به كوضع قائم بينه و"إسرائيل". وهذا يتيح "لإسرائيل" القيام بدوريات على طول هذا الخط؛ وإمكانية الإشراف عليه. وهذا أمر عظيم بالنسبة "لإسرائيل").

هو ثمن جرى دفعه "للإسرائيلي" عبر مندوبه هوكشتاين، الذي يحمل الجنسيتين الأميركية و"الإسرائيلية". وبذلك حقق تحالف الفساد الحاكم في لبنان، بإمتداداته الطائفية والمالية، إنجازين مهمين له: الأول تجنب العقوبات الأميركية، مع وعد من هو معاقب بإسقاطها عنه. وبذلك يستمر غض الطرف الأميركي والغربي عن الأموال التي يضعها المسؤولون والزعماء اللبنانيون في مصارف الغرب. والثاني، إستمرار إمساك منظومة الفساد ذاتها، بملف النفط والغاز، بما يضمن لها الحلول محل الدولة في الإستيلاء على ما سوف يورده إستخراج وبيع الغاز للبنان من أموال، عبر عشرات الشركات الوهمية، التي أقامها الساسة والزعماء والنافذون في الخارج، لتكون وسيطاً بين الدولة وشركات إستخراج الغاز والنفط. والتي أعدوا لها مسبقاً القوانين التي ترعى عملها؛ وتضمن لهم إستمرار محاصصاتهم وسرقاتهم لأموال الوطن والشعب.

هذه هي الحلقة المفقودة في سر صمت المسؤولين وتكتمهم على تفاهمهم مع هوكشتاين. الذي بدأ بالتنازل المسبق عن حق للبنان أثبته الجيش اللبناني، يتمثل بالخط 29 ليكون الحد الأدنى للتفاوض، بدلا من أن يكون سقف التفاوض الخط 23. وكذلك، باستباق المفاوضات بالقول أن "قانا مقابل كاريش"، كعنوان لصفقة التنازلات والتفريط بالأرض والمياه والثروة اللبنانية. فقانا وهمي حتى الساعة، فيما كاريش حقيقة وواقع.

هذه المقايضة هي التي أضاعت حقوق لبنان. وهي أشبه ما تكون بإتفاق 17 أيار بحري. فعندما وقعت سلطة الرئيس أمين الجميل ذلك الإتفاق الخياني، روجت بأنه لصالح لبنان ويخدم مطالبه، فيما هو كان مجرد إملاءات فرضها الموفد الأميركي فيليب حبيب والعدو "الإسرائيلي" المحتل. والآن تصرّ أبواق المفرطين والمتنازلين، على ممارسة الإرهاب الكلامي بحق كل من يفضح زيف هذا التفاهم، الذي فرضه "الوسيط" هوكشتاين. وتدعي أن الترسيم "إنجاز" إبتدعته إرادات الخاضعين لأوامر سفراء أمثال دوروثي شيا ووليد البخاري.


بات واضحاً أن ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وكيان العدو الذي يحتل فلسطين، هو ثمن وعد بفك الحصار الأميركي عن تنقيب واستخراج لبنان لنفطه وغازه القابع في قعر البحر. كما أنه فدية لدور ونفوذ وأموال تحالف زعماء الطوائف واصحاب المصارف، قدموها للأميركي صاغرين، ليعفوا عنهم وعن أموالهم التي نهبوها من جيوب اللبنانيين ومن خزينة دولتهم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل