شواهد في المخاض العالمي الجديد‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 25 تشرين الأول , 2022 07:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يعيش العالم مخاضا صعبا بانتظار ولادة عالم متعدد الأقطاب , لا يخضع لهيمنة الأشرار الذين لا يتوانوا عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق البشرية ,ولذلك تتقلص الحاجة للغوص او التوقعات فيما يخص الخطىوات المتبعة في معظم الأنظمة الأوروبية , حيث الاتجاهات الفاشية , وتعبئة شعوب القارة بالاتجاهات المدمرة تسرع الخطى , مقابل دعوات شبه عقلانية تشخص خطورة ما ستؤول اليه الأوضاع والتداعيات الحتمية , على أوروبا أولا, حيث الانقسام بين من لم يتعظوا من تجارب الحروب , وبين من تعمقوا في النتائج والعبر .

ليس ما يجري في أوروبا حاليا من حراك, وان كانت بطيئة نسبيا قياسا الى الأوضاع العاصفة بها , للتمنع عن الانخراط, بما تصبو اليه الامبريالية الأميركية التي تحفر قبرها بيديها , الا واحداً من المؤشرات الهامة في الصراع .كما ان ما يجري في بريطانيا المنسحبة من الاتحاد الأوروبي المترنح , وعدم القدرة على انتظام الحكم والانشقاقات الحكومية , مؤشر هام على نتائج الانصياع الاعمى للخطط الأميركية , وهو ما سيؤدي حتما الى انهيار الاقتصاد البريطاني الذي كان يعتبر قويا حتى الامس ولو كان مضللا بالدعاية الكاذبة , وهو احد أسباب انسحاب المملكة المتحدة من المجموعة الاوروبية , ولهذا الأخير تداعياته الداخلية على وحدة المملكة , ودول الكومنولث ,واقتصارها لاحقا على بريطانيا.

ليست مسألة عابرة في المدلول السياسي سقوط حكومة بريطانية,(حكومة ليز تراس) بعد 44 يوما من تكليفها , على حطام حكومة (بوريس جونسون), فقد عاندت للبقاء رغم الخلافات العاصفة بين مكوناتها , وبسبب الكذب الذي امتهنه جونسون تجاه شعبه إن كان في السلوك الداخلي , او في السياسة الخارجية, والتي لن تتغير بوجود المحافظين , وبعبارة أوضح، المتعصبون العرقيون, في السلطة , حيث الصراع داخل الحزب غير مسبوق في السباق على كرسي رئاسة الحزب وبالتالي على رئاسة الوزراء. وعليه  أيا يكن رئيس الوزراء المقبل , جونسون او غيره من حزب المحافظين "لن يبق فترة طويلة. بسبب تعاظم ألازمة, التي تهدد  بانهيار الحزب , وسيكون المخرج الوحيد الذهاب الى انتخابات مبكرة لمجلس العموم , بحيث لن تكون تلك الانتخابات لصالح المحافظين نظرا للأوضاع المخيمة ولا سيما مع تبدد الامال بإمكانية المحافظين على حل المشكلات الاقتصادية التي تسببوا بها , ونتيجة السير فيما تريده واشنطن , من دون حسبان مصالح العامة في المملكة, وليس اقفال محطة "بي بي سي"المدموغة بوجود بريطاني منذ 84 عاما وبالثقافة التي عممتها على مدى السنوات , الا شاهداً على أفول المملكة التي لم تكن الشمس تغيب عن أراضيها.

لقد فقدت تلك المملكة حضورها الدولي اكان عبر الاستعمار المباشر , او غير المباشر, وكذلك قوتها  الاقتصادية, وباتت غارقة في مشاكلها الداخلية , سواء في الاقتصاد , أو على مستوى الوحدة ,  وهو ما عبرت عنه رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن في توصيف الحال  قائلة :"بصراحة، تزداد قضية الاستقلال قوة مع كل ساعة تمر، حيث ينظر الناس في جميع أنحاء اسكتلندا في رعب إلى الفوضى التي تظهر على شاشات التلفزيون لدينا..الاستقلال سوف يجلب تحديات، ولكن أيضا فرصا هائلة، وفوق كل شيء، سيسمح لنا برسم مسارنا الخاص في العالم".

ليس حال دول أوروبا ,بأفضل , وان كان الاقتصاد الأوروبي الذي تتعمق معاناته مجتمعا, يعادل 7 اضعاف الاقتصاد البريطاني ,لكن عدم القدرة على الإفلات من القبضة الأميركية التي ترسم المسارين السياسي والاقتصادي يدفعان تلك الدول الى الغرق اكثر,مع نمو التعاليم الفاشية في الإدارة السياسية ,فيما تحاول بعض الدول الأوروبية البحث عن حلول خاصة فيها، جراء الانقسامات فيما يتعلق بكل شيئ , وليس فقط المتمثلة برفضها سياسة العقوبات على روسيا.

ان ما تشهده دول أوروبية من حراك يؤشر على مستوى المخاض التفككي للاتحاد من جهة, وعلى اتجاهات رافضة للسياسة الأميركية "على العمياني" من جهة أخرى , بعد انكشاف المشهد الحقيقي امامهم ,جراء انقشاع الغبار الذي نشرته واشنطن , وعملت من خلاله لتدمير الاقتصادات الاوربية في اطار سياسته مركزة السوق , وهو ما ساعد في تراجع قدرة اليورو امام الدولار بشكل مخيف , وفي هذا السياق عملت الولايات المتحدة الأميركية على امتصاص رؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم. وأصبح ذلك ممكنا بسبب حقيقة أن التضخم في الولايات المتحدة أقل منه في أوروبا، وأسعار الفائدة في النظام المصرفي الأميركي أعلى، وهو ما نتج عنه هروب رأس المال من أوروبا وانجلترا واليابان وغيرها إلى الولايات المتحدة، حيث الاستثمارات أقل خسارة، ويتبخر رأس المال ببطء مضاعف.

يضاف الى ذلك , أن الأوروبيين يكتشفون كل يوم شواهد جديدة , على اضعافهم من جانب واشنطن , لا بل دفعهم الى الموت جوعا وبردا وتدمير اقتصاداتهم , واكثر الشواهد الجلية تفجير خط السيل الشمالي 1و2, لمنعهم من شراء الغاز الروسي وشراء نظيره الأميركي بسعر أعلى ب 4 اضعاف على الأقل, وهذا الأمر استدعى من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ابلاغ غضبه من شجع واشنطن لنظيره الاميركي وعملها على تدجين اروربا وشعوبها ,اما الشرائح الحاكمة في اغلبية الدول الاوربية فهي أشبه بالعبيد المتورطين في جرائم ارتكبها اسيادهم بحق أبناء جلدتهم , فلا يقوون على الرفض , ويخافون الاعتذار من شعبهم ,ليختاروا التضليل كمكون أساسي للفاشية

 اما على مستوى الخطوات العملية في هذا السياق , فهي تمثلت بتجفيف ما امكن من الحبوب والمواد الغذائية وضروريات الحياة الأخرى بموازاة قطع واردات الغاز الروسي مما ودفع اوروبا للعودة إلى استخدام الفحم وتشغيل محطات الطاقة النووية. وهذا المنتج تستورد اوروبا اصلا  54% منه من موسكو , ما ادت ازمة الطاقة الى ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز بأكثر من 200% عن السعر  السائد قبل العقوبات الاميركية , وهذا ما استغله اليمين الاوروبي بشكل محترف، الامر الذي ادى الى زيادة شعبية التيارات اليمينية وإعادة احياء ظاهرة القومية والشعبوية من جديد.وبالطبع القوى الفاشية والمتطرفة.

يبدو ان الأحقاد الدفينة التي اعتقد الكثيرون انها لن تعود, ولا سيما بعد انتصار روسيا – الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية , رغم محاولة الغرب, وأميركا خصوصا, طمس الحقائق , وتجيير الانتصار على النازية والفاشية لجيوشها , هي المحرك الأساس ,ولذلك فان المواقف الأوروبية تجاه روسيا أصبحت أكثر تباينا وانقساما سيما مع ما تعانيه على الصعيد الاقتصادي وبالأخص فيما يخص الطاقة والغذاء بعد تقليص إمدادات الغاز الروسي لأوروبا, وهو ما أدى إلى مشاكل خطيرة في جميع أنحاء أوروبا وأصبحت ضحية الهيمنة وإستعاده النفوذ الأميركي, وهو ما كان قمة السعي الأميركي , ولذلك حرض الاميركيون أوكرانيا لرفض تطبيق اتفاقات مينسك , والنورماندي وتم اختيار أوكرانيا التي نشأت منها, ومن بولندا الى جانب المانيا الهتلرية ,فكرة الفاشية الأكثر عدوانية كرأس جسر للعبور الى الفاشية الجديدة , والتي لن يكون مصيرها أفضل حالا من سابقتها, وعندها ينتهي المخاض بمولود عالمي جديد, يؤمل ان يكون بلا تشوهات ,اساسية على الاقل.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل