ميشال عون، آخر الآمال وآخرة الآلام (2) ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 26 تشرين الأول , 2022 07:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

المقالة تحمل الرقم (2)، لأنه سبق لنا عند انتخاب الرئيس عون، أن كتبنا مقالة بالعنوان نفسه على موقع جريدة "الثبات"، وقد كنا وما زلنا، نعرف مَن هو ميشال عون، وصَدَق رهاننا أن "مجنون الحق" في الرابية لن يسكت على الباطل في بعبدا، لكن ما لم نكن نتوقعه، هو هذا الهيجان الإنتحاري لقطعان ذئاب المزرعة، الذين حاول ميشال عون طيلة ولايته إخضاعهم لمنطق الدولة، لكنه للأسف دخل حرباً لا يمتلك كامل أسلحتها.

إعتمد ميشال عون منهجية ترفضهم، وعلى قواعد شعبية تنبذهم، ومَن يعتقد أن قوة زعماء الفساد ما زالت على حالها قبل ميشال عون فهو مخطىء، وليقرأ أجواء الإنتخابات النيابية الماضية في مناطقهم، وما تلاها من اكتمال التداعيات على شوارعهم الشعبية، والإنهيارات في مواقعهم السلطوية التي اهتزَّت أركانها وسوف تتلاحق، أما المؤمنين بقوة الحق، فهُم يدركون أن ميشال عون أضاء بصيص آخر الآمال بوطن، وعَمِل ضمن صلاحياته لكتابة آخرة الآلام، وسوف يستمر من الرابية مع مَن يسيرون على نهج مدرسته في صناعة التاريخ الإنقلابي الإصلاحي الذي أسس له.

يدورون حول اتفاق الطائف، بين مروِّجين له ومعترضين عليه، والرئيس عون كان أول الرافضين له، لكن البديل عنه للأسف، مؤتمر تأسيسي قد يلزمه سنة للتوافق على مَن سوف يحضره، وكائناً مَن كان الحاضرون، فإن جلسات هكذا مؤتمر قد تستغرق سنوات من الكباش المذهبي، هذا إذا لم يؤدِّ الكباش الى حربٍ داخلية، ولهذا، يبقى الطائف لأجل غير مسمى، الشر الذي لا بُدَّ منه.

وبصلاحيات ضعيفة تركها الطائف لرئيس الجمهورية، استطاع ميشال عون أن يكون رئيس الجمهورية القوي رغماً عن الطائف، لكن المشكلة التي لا يتنبَّه لها شركاء السلطة والسلطان في لبنان، أن الصلاحيات التي انتزعها الطائف من رئيس الجمهورية لصالح مجلس الوزراء مجتمعاً، قد ينتزعها أي رئيس حكومة لصالحه، متى كان مزاجه الخاص كما سعد الحريري، يعتكف ساعة يشاء، ويراوح مكانه متى يشاء، ويرحل عندما مصالحه تشاء، أو كما الميقاتي الذي يغمر بيديه التصريف والتكليف والتأليف، في ما يشبه المهزلة التي ابتدعتها التوازنات الطائفية والمذهبية في بازار السياسة.

وإذا كان خصوم الرئيس عون من الأحزاب السياسية والتيارات المذهبية، يندرجون - سواء اعترفوا أو أنكروا - تحت مسمى "الحريرية السياسية" كشركاء للمرحوم رفيق الحريري ومن بعده لنجله سعد، بصرف النظر، إذا كانوا من جماعة 8 آذار أو كانوا من جماعة 14، أو بين بين كالنائب السابق وليد جنبلاط، فإن معمودية النار التي عاشها الرئيس ميشال عون كانت مع الجميع في معظم الداخل، ومع كل الخارج الدولي والإقليمي بأدوات داخلية، بعضها يُقارب العمالة الرخيصة.

دفع الرئيس عون داخلياً ثمن ملف التدقيق الجنائي أكثر من أي ملف آخر، ربما لكثرة اللصوص والفاسدين، الذين زرعوا أزلامهم في دهاليز المزرعة، وأداروا البلد مدى سنوات قبل وصوله على القاعدة الإثني عشرية بلا موازنات، ودفع عون خارجياً ثمن القضاء على الإرهاب ورفض التوطين ودمج النازحين، ودفع الثمن الأعلى في موقفه من صفقة القرن، ورغم خطورة الملفات التي حملها في قبضته وأمضى عهده بسببها كما القابض على النار، استطاع اختتام عهده بإنجازين عظيمين، الترسيم مع العدو الإسرائيلي وإنطلاق المفاوضات مع سوريا وقبرص للغاية نفسها، والبدء بإعادة النازحين السوريين على دفعات.

وإذا كان الرئيس عون لا يمتلك أسلحة الحرب التي خاضها مع معظم الداخل ومع كل الخارج، فحسبه أنه دمَّر سقف المزرعة على رؤوس مَن فرضتهم المعادلة اللبنانية شركاء معه وعليه، لكنه بيديه الخاليتين من السلاح، والعاريتين من الفساد، كان رجل الدولة الإستثنائي، في زمنٍ عزَّ فيه الرجال وندُرت فيه المواقف الوطنية، وإذا كان عهده قد شهد تضخماً وارتفاعاً في سعر صرف الدولار، فلأن من سبقوه في الحكم استلموا البلد بديون ثلاثة مليارات دولار وتركوه بديون تفوق المئة مليار، ومع ذلك، زرع في عهده الأمل فينا بقيام دولة على أنقاض مزارعهم، وعسى أن يكون اللبنانيون بفضله قد بلغوا آخر مراحل الآلام...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل