الترسيم أميركياً "لتعزيز الأمن والإستقرار" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 28 تشرين الأول , 2022 11:42 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يبشرنا الرئيس الأميركي جو بايدن، بأن اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان والعدو "الإسرائيلي"، خطوة على طريق تحقيق رؤية لشرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً.

ويعتبر وزير خارجيته أنتوني بلينكن: "أن إتفاق حكومتي "إسرائيل" ولبنان، الذي سهلته الولايات المتحدة لوضع حدود بحرية دائمة، إنجاز تاريخي سوف يكون له تاثير عميق في تعزيز الأمن والإستقرار والإزدهار في المنطقة".

وحسب علمنا، منّذ أن وصف الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني أميركا بأنها "الشيطان الأكبر"، أصبح هذا الوصف أيقونة يتمسك بها كل من يعادي أميركا وعدوانيتها وتسلطها على الشعوب، بقدر تمسك عشاق الثورة والتحرر سابقاً، بقول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: "على الإستعمار أن يحمل عصاه على كاهله ويرحل". لكن العجيب أن يأت زمن، ما زالت أميركا تواصل فيه سياساتها وإجرامها وتعديها على حريات الشعوب، فيما البعض في لبنان يطرب لمواقفها ويصفق مرحباً بأقوالها.

والعجيب، أن هؤلاء يصرّون على إقناعنا أن أميركا باتت فاعل خير. وأن الضابط "الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، الذي أرسلته ليكون وسيطها بين لبنان والكيان "الإسرائيلي"، هو وسيط نزيه ومحايد، حكم بالعدل والقسطاس بين لبنان وكيان الإحتلال، بما جعل الترسيم "إنجازاّ" يدان كل من يرفضه، أو يعلن إعتراضه على التفريط الحاصل في الأرض والمياه، الذي جرى القفز عنه لتمرير هذا الترسيم.

والأكثر وقاحة، أن هناك من يريد إقناع اللبنانيين، أن زعماء البلاد أصبحوا رجال دولة؛ وهم الذين أهدروا أموال خزينة الدولة عبر متعهديهم وأشغالهم. ولم يرف لهم جفن وهم يشاهدون شعبهم يذل ويهان، في الطوابير أمام محطات المحروقات؛ وأمام الأفران والصيدليات والمستشفيات وعلى أبواب أصحاب مولدات الكهرباء؛ وأمام صناديق المصارف، بعد أن تراجعت قدراتهم الشرائية عشرات الأضعاف. وبعد أن هرّب أولئك الزعماء أموالهم إلى الخارج؛ وشجعوا وأمنوا الحماية لأصحاب المصارف في إستيلائهم على أموال المودعين. ولم تستفق ضمائرهم وهم يشاهدون دفعات المهاجرين من الأجيال الشابة، تغادر بحثا عن فرص عمل ولقمة عيش في بلاد الله الواسعة. بل أن هؤلاء الزعماء لم تتحرك غيرتهم، عندما أصبحت الدول الغريبة والقريبة، تتبرع لجيشهم الوطني بدفعات من الغذاء والدواء وببعض المال، حتى لا يغادر الجنود الجائعون صفوفه. وبلغت الوقاحة حداً اعتبر فيه أصحاب الترسيم، أن ما قررته حكومة فؤاد السنيورة عام 1911، هو الحدود البحرية الحقيقية التي تفصل بين لبنان وبين كيان العدو "الإسرائيلي"، علماً أنهم سبق أن قالوا في السنيورة وحكومته، إثر "فعلتها" تلك، أفظع مما قاله مالك في الخمر. ثم ضربوا عرض الحائط بتأكيد خبراء الجيش، أن الخط 29 البحري هو حدود مياه لبنان الجنوبية وليس الخط 23. ويعترفون ولو باللعب على الكلام، أن طفافات العدو باقية في مياهنا الإقليمية. وأن رأس الناقورة بصخرته المحددة دولياً كحدود فاصلة، لم تجر إستعادتها لضرورات أمن المنتجعات "الإسرائيلية".

يدعو الرئيس الأميركي بايدن لشرق أوسط آمن ومزدهر. وهذا أمر لا يمكن تحقيقه في ظل الإحتلال والعدوان، الذي تدعمه وتحميه بلاده. فهذا الإزدهار والهدوء هو خنوع وإستسلام، طالما لم يتراجع العدو عن عدوانه واحتلاله. وهو مناقض لفكرة المقاومة والتحرر والتحرير. في حين يكذب وزير خارجيته بلينكن إدعاءات المسؤولين اللبنانيين، الذين يوحون بأن ما جرى يشبه "هدنة إقتصادية"، فيقول بلينكن، ان الأمر هو "وضع حدود بحرية دائمة".

وبالنتيجة، فإن تبريرات أصحاب الترسيم هي نسخة طبق الأصل عن تبريرات أصحاب كمب ديفيد ووادي عربة وأوسلو. التي لم يحصد اصحابها من الأميركي و"الإسرائيلي" غير الخداع والخسارة.

ربما يخجل أصحاب الترسيم، من الإعتراف بأن ما قاموا به ليس مقطوع الصلة بما تشهده المنطقة ككل. وها هو سفير الجزائر في مصر ومندوبها الدائم في الجامعة العربية، عبد الحميد شبيرة، يؤكد ان القمة العربية ال31 التي ستعقد في بلاده "ستتضمن إعادة طرح مبادرة السلام العربية". وكان رئيس بلاده عبد المجيد تبون، قد سبقه في كلمته أمام وفود الفصائل الفلسطينية، في لقاء المصالحة الذي جرى منذ أسابيع؛ وتضمن توقيع الفصائل على "إعلان الجزائر" للم الشمل وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث قال: "نتمنى رؤية قيام دولة فلسطين بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس". وهذا قول جديد على قيادة الجزائر التي لطالما كانت متمسكة بكامل الحقوق الفلسطينية، أي من النهر إلى البحر. والأهم أن ذلك اللقاء ضم مندوبي جميع الفصائل ال14، بمن فيهم "فتح" و"حماس" وغيرهما، ممن كان يؤكد على تحرير فلسطين كاملة. في حين أن مشاركة تلك الفصائل وتوقيعها على "إعلان الجزائر"؛ وقبولها رعاية الرئيس تبون، هو قبول بما تضمنه خطاب الرعاية، أي إقامة دولة على حدود 1967، فهل هذا هو الهدوء والإستقرار الذي يتحدث عنه الرئيس الأميركي ووزير خارجيته. وهل هذا هو سر "الإنتصار اللبناني"، الذي يعتبر أصحابه أن الحلول هذه المرة لن تأت على حساب لبنان، بل لمصلحته. لنترك الأمر للأيام والأشهر المقبلة، لتكشف عن حقيقة المفرط من المنتصر، لأن فرصة لبنان لا تتكرر بتحصيل كامل حقوقه وليس كل مطالب سلطاته، لأن أميركا ودول الغرب يتوسلون الهدوء في منطقتنا، بعد أن وضع صراعهم مع روسيا في أوكرانيا العالم كله على شفير حرب نووية.  
        


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل