الرعونة الأميركية.. والدور العربي والإسلامي ــ يونس عودة

الثلاثاء 09 تموز , 2024 09:20 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات
من الجلي الواضح ان المخاض العالمي دونه خسارة الولايات المتحدة الاميركية للكثير من مواقع النفوذ في مدارات الكرة الارضية, وبالأخص في المنطقة المسماة "الشرق الاوسط"، ما يعني ان بعض الولادات لا بد ان تكون قيصرية, في ضوء ما حرب الابادة التي يرتكبها النظام الصهيوني, سيما بوجود شهود الزور من دول عربية, على وجه الخصوص.
من العار أن بعض الدول العربية تمارس، بالتواطؤ مع الادارة الاميركية، خضوعاً للجرائم "الإسرائيلية" - الاميركية, بموازاة الانخراط العلني والضمني في حملات التشويه المبرمجة, بحق الذين يريدون انتشال البلاد العربية من سبات طال امده, مع إدراك اولئك المتواطئين بان كل الوعود الاميركية ليست الا كلمات مزخرفة وفق الحاجة الانية لتمرير ما تريد من مصالحها, في ما تسميه الامن القومي الاميركي, وضمنا الكيان الصهيوني، كعصا باتت هشة مع الصمود الاسطوري الذي يشاهده العالم كل يوم.
ان الخسائر التي تلحق كل يوم بالمشروع الاميركي ـــ الصهيوني, ذات الاصول البريطانية في فلسطين خصوصا, جعل الادارة الاميركية أكثر رعونة اتجاه زعماء في المنطقة العربية, اختاروا طأطأة رؤوسهم خوفا من بكاء ملك وسلطة لا يقدرون على صونهما كالرجال.
من المهم في هذا المجال, ان يتوقف  حكام في بلاد العرب والمسلمين بجدية امام الكلام الصريح لأمين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط, وهو ليس بعيدا عن الهوى الاميركي, اذ تجرأ على الحديث عن مرحلة انطوت في كيفية تعاطي اميركا الارعن، مع الحكام العرب, وان كان ليس من باب تقديم فعل التوبة, وانما في سياق توثيق لتلك المرحلة التي عملت الولايات المتحدة فيها على الاطاحة بالرئيس حسني مبارك, الذي كان الاكثر تماهيا مع السياسات الاميركية في المنطقة, واكثر المتشددين في الحفاظ على اتفاقية "كمب ديفيد"، التي كان ابرز عناوينها الى جانب الصلح مع "اسرائيل"، "الرخاء الاقتصادي" غير المسبوق, وهذا ما تحول الى مزيد من الافقار والجوع في بلد تخطى سكانه 115 مليون بشري.
كشف ابو الغيط كيف ان النظام في مصر لمس، وان لم يكن متأخرا, أن الولايات المتحدة تريد "فرض رؤية كاملة للوضع العربي، والتغيير بشكل يتنافى مع فكرة الاختيار والسيادة، والكثير من الأطراف العربية كانت تنسق مع بعضها وتقول للمصريين: الأمور لا تسير هكذا بشأن الانتخابات البرلمانية.
وأفاد بأن الحكومة المصرية كانت على اطلاع بالتواصل الأمريكي مع جماعة اسلامية داخل وخارج مصر, "كما كنا على اطلاع بتجهيزات لتمويل الشباب المصري للخروج لدورات تدريبية في متابعة الانتخابات الوطنية" NGOs، "لكن مبارك رفض اتخاذ أي إجراءات للتصدي لتلك الاتصالات لأن له رؤية وهي عدم استفزاز الولايات المتحدة والعالم الغربي مع معرفته أن هناك تحركات ضده".
بالطبع هذا يكشف كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع كل من يرتضي, او يقبل, سواء بالتهديد او الضغط او الاغراء, في تنفيذ ما تريده الولايات المتحدة سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي او الامني, وحتى الثقافي في اشعار المجتمعات انها لن تتطور الا من خلال المنظور الأميركي.  
ان التجربة الحالية منذ طوفان الاقصى, يفترض انها ادخلت بصيص نور وامل في ضرورة القول كفى, سيما ان كل الحراك الغربي الذي تديره الولايات المتحدة لا يأخذ في الاعتبار الا مصالحها, وبالتالي الحفاظ على الكيان الصهيوني وتفوقه على دول المنطقة, وكثير من الزعماء العرب تيقنوا من خلال المحادثات في الاشهر التسعة الماضية ان واشنطن لن تسمح بان يستعيد الفلسطينيون ولو بعض حقوقهم السليبة واولها دولة فلسطينية قابلة للحياة, لان ذلك نقيض وجود الكيان الصهيوني, ان الجملة المفتاحية في كل لقاء ان دولة فلسطينية لا يمكن ان يكون الا بموافقة اسرائيل, وما الكلام عن بحث في كيفية العمل الا في سياق الخداع المزخرف, كي يضغط العرب على الفلسطينيين للقبول بنزع سلاحهم والقاء اي ورقة قوة في سلة المهملات الاميركية.
بلا شك, كل من يلتقي الاميركيين، وعلى اي مستوى، يتيقن ان ليس في تفكير الادارة الاميركية وجود لدولة فلسطينية, وانما الكلام العام عن ذلك لا يعدو كونه اغراق السامع بكلام مسموم ظاهره معسول لزوم الاستمالة والاحتواء من ضمن اعادة تشكيل اولويات واشنطن, في السياسة عموما والاقتصاد خصوصا بعد ظهور تكتلين مهمين عالميا, والمقصود منظمة دول "بريكس" و"منظمة دول شنغهاي للتعاون", لا بل انهما باتا يشكلان ركائز صلبة واساسية لعالم لا تسوسه واشنطن بعقل استعماري, بل هما يلبيان تطلعات شعوب الارض في عالم متعدد الاقطاب متساو في المصالح والاختيار الوطني والقومي, وفي هذا السياق أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،  أن منظمة شنغهاي للتعاون إلى جانب مجموعة "بريكس"، تشكلان الركائز الأساسية للنظام العالمي الناشئ الجديد. وقال خلال اجتماع مجلس رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون: "تشكل منظمة شنغهاي للتعاون، جنباً إلى جنب مع مجموعة "بريكس"، الركائز الأساسية للنظام العالمي الناشئ الجديد، وهاتان الرابطتان هما محرك قوي لعمليات التنمية العالمية وتعزيز التعددية القطبية الحقيقية". وأضاف بوتين: أن "العلاقات الاقتصادية الوثيقة في منظمة شنغهاي للتعاون، تعود بفوائد واضحة على جميع المشاركين". وأكد بوتين أن مشروع القرار بشأن تطوير استراتيجية تنمية منظمة شنغهاي للتعاون، حتى عام 2035، يحدد آفاقا لمزيد من تعميق التعاون، ليس فقط في السياسة والأمن، ولكن أيضا في الاقتصاد والطاقة والزراعة والتقنيات العالية والابتكارات.
ان وجود التكتلين آنفي الذكر ووضوحهما على أساس مبادئ المساواة ومراعاة مصالح بعضنا بعضا، واحترام التنوع الثقافي والحضاري والبحث عن حلول جماعية للمشاكل الأمنية الملحة. يستدعي من الدول العربية كدول فرادى, ومن الجامعة العربية كتكتل طالما حركته الولايات المتحدة, ان ينظروا بعين المصالح الجامعة ما دام الوفاق السياسي متوافر حاليا, والعمل الفعلي في اعادة تقييم العلاقات مع الغرب في ضوء التجارب المريرة والإخضاعية, والعمل فرادى وجماعة على التصدي للضغوط الاميركية الاخضاعية, والتي لا تأخذ بالحد الادنى بمصالح وتطلعات وامال شعوب المنطقة, كخطوات وجوبية تؤهل الى علاقات ندية متساوية في سبيل مستقبل يمكن صناعته , ولو كان من اجل المصالح حصرا.
هذا الامر بحد ذاته ينسحب ايضا على دول منظمة المؤتمر الاسلامي, وغالبيتها دول قادرة اقتصادية, ويشكل العرب فيها ثقلا لا يستهان به ليكون للجميع مكان مرموق تحت الشمس, يمكنهم المحافظة عليه بقدرتهم الاقتصادية غير المستباحة من الغرب, وبالتالي تشكيل قوى اقتصادية لها وزنها العالمي، في التأثير السياسي, والحفاظ على الهوية والثقافة, بدل الانصياع للغرب الذي اثبت في حرب الابادة على الشعب الفلسطيني انه لا يرى في العرب شركاء, الا في المساهمة بتذويب هويتهم, والتخلي عن ايمانهم, او في الحد الادنى اعتناق الدين على الطريقة الاميركية. وفي ذلك امثلة لا تعد ولا تحصى, وليس اخرها قيام الولايات المتحدة بتخصيص دورات تدريب لمجموعة من الضباط الاردنيين في اميركا على كيفية تسويق اسلام تريده واشنطن ضمن خطة ان يتحول هؤلاء الضباط الى مفتيين في الدين, الان داخل الجيش, ولاحقا ينتشرون في المجتمعات لنشر الفتن, لعل الولايات المتحدة تستعيد مراكز نفوذ من خلالها, رغم ان تجاربها السابقة في هذا المجال, مثل "داعش" كانت مكلفة.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل