الفراغ أفضل من انتخاب رئيس على الطريقة البيزنطية ــ أمين أبوراشد

الجمعة 25 تشرين الأول , 2024 12:40 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

منذ ما قبل العدوان "الإسرائيلي"، والمواجهات القاسية الدائرة على أرض الجنوب كانت عبارة "إدارة محركات البحث" و"تدوير الزوايا"؛ من مرادفات الدجل في السياسة اللبنانية، ومن سِمات دوران حجر الرحى وجعجعة من غير طحين. وإذا كان الشعب اللبناني قد احتمل في زمن السلم هذا المستوى المُتدني في التعاطي بشؤونه، فهو في زمن الحرب بات يعتبر هذه الطبقة السياسية أشدَّ إيلاماً من العدوان نفسه.

كذبٌ بكذبٍ بكذب، وتصريحات مستهلكه مُتهالكة على ألسُن الدجالين، لحكاية المعضلة المُمِلَّة التي اسمها الانتخابات الرئاسية، بدليل أن آموس هوكستين يأتي إلى لبنان، ونفهم ماذا طرح في عين التينة أو السراي وماذا كان الردّ اللبناني، لكن أحداً من اللبنانيين لا يستطيع التكهُّن بما يجرى من نقاشات نيابية في عين التينة، حول مواصفات ذاك "الرئيس التوافقي"، الذي ستتمخَّض عنه الحوارات والمشاورات، وهل هو ذكر أم أنثى، أو بين بين، على طريقة الجدل البيزنطي؟!


سقطت بيزنطية خلال نقاشات قادتها حول جنس الملائكة، لكن لبنان الكيان لن يسقط، سواء بوجود رئيس أو بغيابه، لأن هكذا دولة بهكذا رئاسات ونظام "ثلاثي الأبعاد" قد استقالت عن الوطن والمواطن من زمان، وهذه الثلاثية المثلثة الأضلاع المفككة أعجز من أن تحتوي كارثة نزوح ثلث الشعب اللبناني، ولا يرفّ جفن لعديمي الرؤية، فيما العدوان يحاول الدخول من الباب والنافذة ويدكُّ خارطة الوطن قتلاً وتدميراً وتهجيراً.

ولأن الحلول لكل كوارث وأزمات لبنان باتت "مستوردة"، انطلقت يوم أمس الخميس في العاصمة الفرنسية باريس، أعمال "المؤتمر الدولي لدعم لبنان"، بحضور ممثلين عن 70 دولة، "لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للبنان ودعم قواته الأمنية والدفع نحو وقف إطلاق النار"، ويستحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقب "المندوب السامي" في رعاية الشأن اللبناني، خصوصاً في غياب رئيس للجمهورية، لأن انتخاب رئيس يلزمه أكثر من مؤتمر دولي "لِسَوق" 128 نائباً إلى ساحة النجمة!

 واللافت في هذا المؤتمر هو الغياب الأميركي، ربما لأن البصمات الأميركية كافية من خلال العدوان في الحرب على لبنان، وعلى كل ما له صلة بمحور المقاومة، وسط معلومات يتداولها الإعلام عن عقوبات أميركية جديدة ولبنان له النصيب منها، مع العلم أن "النخوة" الفرنسية لاستضافة المؤتمر، ما هي سوى خطوة أوروبية استباقية لتسكين روع اللبنانيين، وتهدئة خواطر النازحين منهم، وكأن مراكب الهجرة الى أوروبا على وشك الانطلاق.

لذلك، يحاول مؤتمر باريس مقاربة تعقيدات الوضع اللبناني في حمأة العدوان "الإسرائيلي"، عبر "التأكيد على ضرورة وقف الأعمال القتالية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الصادر عام 2006، والذي يدعو إلى أن يكون جنوب لبنان خالياً من أي قوات أو أسلحة غير تلك التابعة للدولة اللبنانية"، إضافة إلى "حشد المجتمع الدولي لتقديم يد المساعدة لما يتراوح بين 500 ألف ومليون نازح".
وفيما الحكومة اللبنانية تُعلن عن حاجتها إلى 250 مليون دولار شهرياً للتعامل مع الأزمة، فإن الجمهرة الدولية في المؤتمر أقرّت مساعدة إجمالية قدرها 800 مليون دولار، مع 200 مليون دولار دعماً للجيش اللبناني، بهدف ضمان دفع الرواتب وتوفير المواد الغذائية والإمدادات الطبية والمعدات والتدريب، لتمكين هذا الجيش من زيادة أفراده والانتشار في نهاية المطاف في الجنوب"، وهذا ما تعهد به الرئيس ميقاتي في المؤتمر.

عدم مقاربة مؤتمر باريس للملف الرئاسي، ولو بكلمة "تمنِّي" على أهل الشأن لانتخاب رئيس، فلأن الجدل البيزنطي في لبنان قد اكتسب بُعداً جديداً بعد طوفان الأقصى، وبُعداً أبعد بكثير بعد بدء العدوان "الإسرائيلي" على لبنان، وما رافقه من استهدافات للمقاومة، بحيث دخل فرقاء الصراعات الداخلية في جدلية لا تنتهي وسط رهانات البعض على مرحلة "ما بعد حزب الله"، إن لم نقُل إن بعضهم يتوهَّم بأن الرئيس العتيد قد تحمله دبابة صهيونية إلى بعبدا.

 لأجل كل ما تقدَّم، وبانتظار استفاقة البعض من الهلوسة الميدانية والأوهام الوردية، من الأفضل انتظار نتائج الميدان، ومن الأفضل أيضاً الإبقاء على الفراغ حتى يستفيق البعض من النشوة الفارغة لحين تحقيق وقف إطلاق النار وحدود توقُّف النار، وبعدها لكل حادث حديث.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل