السيد نصر الله في ذكرى القائد شكر: سلاح الإعلام مرعب ومخيف

الأربعاء 07 آب , 2024 09:47 توقيت بيروت مقالات مختارة

مقالات مختارة

ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن التضليل الإعلامي الذي يمارسه عدد من وسائل الإعلام.

في خطابه الأخير في ذكرى مرور أسبوع على استشهاد القائد فؤاد شكر، أشار السيد نصر الله إلى ترويج فضائيات عربية كان قد وصفها قبل ذلك بـ"القبيحة والرذيلة" لما يقوله الإسرائيلي حول الاغتيالين الكبيرين اللذين نفّذتهما "إسرائيل" في طهران وضاحية بيروت وحول طريقة الاغتيال.

السيد نصر الله وصف الإعلام الذي يبث "الأكاذيب والأباطيل"، والذي يمارس حرباً نفسية تقوم على التضليل والإرهاب والكذب، بـ"السلاح المرعب والمخيف".

في الحقيقة، هذا الأداء الإعلامي العربي لا يمكن فصله عن السياسة الإعلامية التي تعتمدها وسائل الإعلام الغربية. وفي كثير من الأحيان، يكون الفضاء الإعلامي الغربي هو المصدر الذي يصنع الأكاذيب والإشاعات. ويشكل ما نشرته "نيويورك تايمز" مؤخراً عن عبوة زرعت في مكان إقامة الشهيد هنية في طهران وتبنّته بعض الفضائيات العربية دليلاً إضافياً على أن ما يجري هو عملية ممنهجة ومنظمة تديرها الولايات المتحدة الأميركية بهدف تكريس هيمنتها الإعلامية والمعلوماتية في العالم.

هذه الهيمنة تعتبرها واشنطن أحد العناصر الأساسية للهيمنة الكلية وللحفاظ على مكانتها باعتبارها الدولة العظمى الوحيدة التي يحق لها أن تفعل ما تريد في كل الظروف، وخصوصاً خلال الحروب.

يتعاطى الأميركيون أثناء المعارك الحربية مع الإعلام والمعلومات باعتبارهما سلاحاً أساسياً، ويعملون على كسب الحرب الإعلامية قبل أن تطلق أول طلقة، ما يتطلب إدارة وسائل الإعلام المختلفة والتحكّم فيها من جهة، والتعاطي مع المعلومات باعتبارها أسلحة لا بد من نشرها بحساب ووفق مخططات دقيقة وكبيرة من جهة ثانية.

يظهر هذا التوجه بوضوح على مستويين بذلت واشنطن فيهما جهوداً لافتة؛ فقد حرصت من جهة على الانفراد بالسيطرة على مصادر المعلومات منذ أمد بعيد، وعملت من جهة ثانية على إنشاء شبكة أخطبوطية للهيمنة المعلوماتية والإعلامية.

على مستوى الخط الأول، اعتمدت واشنطن على وكالات الأنباء العالمية الأساسية، وعملت على احتكار المعلومات الواردة عبرها، والتي تقرر أجندة الأخبار اليومية للعالم.

ولم تتردّد بالعمل سريعاً على إجهاض أي محاولة لتغيير هذا الواقع. ما جرى في أروقة منظمة اليونيسكو في سبعينيات القرن الماضي كان لافتاً من حيث وضوحه وفجاجته.

شنت واشنطن آنذاك هجوماً وقحاً على مؤسسة اليونيسكو التي كان يتولى أمانتها العامة أحمد مختار أمبو، الذي اتخذ قراراً شجاعاً بإنشاء "مكتب التدفق الحر للمعلومات"، وتبنى مشروع إنشاء وكالة أنباء عالمية تطرح الأخبار من منظور العالم الثالث، وتهدف إلى وضع دول الجنوب على الخريطة الإعلامية الدولية من جهة، وكسر احتكار الغرب للهيمنة الإعلامية من جهة ثانية. حينها، شنّت واشنطن حرباً على أمبو، وأعلنت انسحابها من اليونيسكو مع إنكلترا وكندا، وأوقفت تمويلها للمنظمة، ولم تعد إلا بعد إلغاء مكتب التدفق الحر للمعلومات ووأد مشروع الوكالة.

هذه الحادثة تظهر أن الإدارة الأميركية للحرب الإعلامية لا تختلف عن إدارتها الحرب العسكرية. تعتمد الولايات المتحدة الأميركية في هذا المجال خططاً لا تقل دهاء ومراوغة وتنظيماً عن العسكرية منها.

التضليل والخداع يقعان في قلب هذه الخطة، ويتم استخدامهما على اعتبارهما أحد أسلحة الحرب الأساسية، ما مكن واشنطن من الإحكام بدرجة عالية على المؤسسات الإعلامية في الغرب نفسه، إضافة إلى نشرها أذرعاً لهذه الهيمنة الأخطبوطية في مختلف أنحاء العالم، بما فيها الدول العربية.

تتحدّث تقارير استخبارات الجيش الأميركي عن هذا المستوى الثاني من الجهود الأميركية الإعلامية، وتكشف عن وجود عشرات المراكز الإعلامية المعلوماتية في الولايات المتحدة الأميركية وفي عدد من الدول والعواصم العربية، من بينها بيروت والقاهرة وبغداد ودبي، وعن صحافيين يتم زرعهم في هذه المراكز وفي وسائل الإعلام ليكونوا من أدوات الهيمنة في خلق المعلومات التي تخدم الأجندة الأميركية وتوفير إمكانيات ترويجها.

يشير أحد هذه التقارير إلى أن أهمية الهيمنة الإعلامية لا تقل عن أهمية توفير الحماية الجسدية للجنود، ويكشف أن الأمر يتطلب أولاً: بناء معلومات صديقة وحمايتها، وثانياً محاصرة المعلومات المعادية واستهدافها وإسقاطها والتشكيك في مصداقيتها.

هذا ما نشهده منذ عملية طوفان الأقصى بشكل عام، وخلال الأسبوعين الماضيين بشكل خاص. نحن أمام عمليات دعاية وبروباغندا منظمة لتضليل الرأي العام تجاه كل ما له علاقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلاقتها بفلسطين وفصائل مقاومتها، كما تجاه إنجازات محور المقاومة.

ما نشهده هو خلط منظم بين الإعلام والدعاية. والأساليب والاستراتيجيات المعتمدة تشبه إلى حد بعيد تلك التي كان الغرب يعيبها في الماضي على نظام ألمانيا النازية. تحول الإعلام إلى أداة دعائية تستفيد من دروس النازي الأساسية في ترويج الأكاذيب، وفي شن حرب نفسية على أوسع نطاق، وبكفاءة عالية.

من الآليات التي تستخدم هي المزج بين الأكاذيب الصغيرة التي لا تبدو مهمة، والأكاذيب الكبيرة التي تتضمن معلومات خطيرة غير صحيحة.

تتراكم الأكاذيب الصغيرة التي تساهم في دعم الأكاذيب الكبيرة، وتمنحها قدراً من المصداقية، والهدف هو خلق تيار من المعلومات التي تكرس لدى الرأي العام أن إيران غير صادقة في دعمها للفلسطينيين، وأن "إسرائيل" تحقق الإنجازات، وأن فعالية محور المقاومة محدودة، ما يساهم في خلق الانطباع النهائي الذي يشكّك في الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية، ويقلل من جدوى الفعل المقاوم لجبهة المقاومة.

في المقابل، يتلافى هذا الإعلام حقائق الميدان التي تعكس نقاط قوة المحور المقاوم، ويتجنب تسليط الضوء على السياقات التاريخية الأساسية والضرورية لفهم الواقع وإدراك التحديات والمخاطر التي تمر بها بلادنا وتتهدد شعوبنا، والأخطر هو العمل على تيئيس جمهور المقاومة من خلال تصوير المعركة الحالية على أنها معركة من دون أفق، وهو ما لفت إليه السيد نصر الله في خطابه من خلال تأكيده أننا نخوض حرباً فيها الكثير من المخاطر، ولكن في الوقت نفسه تحمل الكثير من الفرص والإمكانات، والأهم أن لها أفقاً تاريخياً.

وكما في الحرب العسكرية، كذلك في الحرب الإعلامية، فإن الأخطار لا تواجه بالخوف أو بدس الرأس في التراب أو الانحناء للعاصفة التي ستقتلع الرؤوس والجذور، وفق السيد نصر الله، إنما بتحمّل المسؤولية ومنع العدو من تحقيق أهدافه.

 

بثينة عليق ـ الميادين

 

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل