الصحافي الشجاع الذي كشف التواطؤ البريطاني مع الإبادة: ريتشارد ميدهيرست ضحية إرهاب الدولة

الخميس 22 آب , 2024 08:43 توقيت بيروت دولــي

الثبات ـ دولي

«لا يمكننا أن نعتبر أنّنا نعيش في ظلّ ديموقراطية حقيقية عندما يُجرّ الصحافيّون من الطائرة ويعامَلون كقتلة» هكذا أعرب الصحافي البريطاني المولود في دمشق عن اشمئزازه من المعاملة التي قوبل بها في مطار هيثرو، إذ اعتقله ضبّاط أمن بريطانيون واقتادوه كالمجرم... بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين. إنّها ذاتها بريطانيا التي طردت عشراتِ الموظّفين في «هيئة الإذاعة البريطانية» بسبب مواقفهم المؤيّدة لفلسطين، وهي ذاتها بريطانيا التي ينحاز كل إعلامها إلى السردية الصهيونية... وقبل ذلك، سجنت جوليان أسانج لأنّه فضح جرائم الإمبراطورية الحالية

لم تفضح حرب الإبادة المستمرّة تواطؤ حكومات الغرب وإعلامه مع كيان الاحتلال فقط، بل باتت الدول الغربية تعامل الصحافيّين المؤيّدين للقضية الفلسطينية بالطريقة ذاتها التي تنتقدها حين تدّعي أنّ دولاً خصمة لها اعتمدتها! الادّعاء الجاهز دائماً هو اتّهام «معاداة السامية» الباطل. وكما مُنع الطبيب الفلسطيني غسّان أبو ستّة من دخول ألمانيا قبل نحو أربعة أشهر، وفيما كانت الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناهضين لحرب الإبادة الإسرائيلية، ها هي الشرطة البريطانية تعتقل الصحافي ريتشارد ميدهيرست المعروف بمعارضته كل حروب الإمبراطورية على المنطقة وتنديده بالإبادة الجماعية في غزّة، مع إضفاء طابع تحليلي معمّق عليها.اعتُقل ميدهيرست الخميس الماضي في مطار هيثرو بتهم «التعبير عن آراء وأفكار تدعم منظّمة مصنّفة بالإرهاب»، قبل أن يُفرج عنه لاحقاً. وفي مقطع حصل على أكثر من مليون مشاهدة وعلى إعادة النشر عشرات آلاف المرّات، أوضح الصحافي المولود في دمشق أنّ ستّة ضبّاط أمن بريطانيّين كانوا في انتظاره عند مدخل الطائرة واعتقلوه، مشيراً إلى أنّه مستهدَف لأنّه يتحدّث عن الوضع في فلسطين، وهو أوّل صحافي يُعتقل بناءً على المادّة 12 من هذا القانون، وهناك محاولة لعرقلة عمله ونشاطه السياسي. وروى أنّه اقتيد من باب الطائرة إلى سيّارة توجّهت به إلى مركز للشرطة حيث صودر هاتفه وكاميراته، وتعرّض للتفتيش بشكل كامل. وكان عناصر الشرطة يفتّشون حقيبته بطريقة فوضوية، وكان عليه المطالبة بشيء بسيط مثل مخدّة، إذ تعاملوا معه كمجرم. وأكمل أنّ ضبّاط الشرطة، أبقوه رهن الاعتقال من دون السماح له بإجراء مكالمة هاتفية لتبليغ عائلته أو أصدقائه بمكانه طوال 24 ساعة. وقال ميدهيرست إنّه رفض كل الاتّهامات الموجّهة إليه، وإنّه يرفض الحرب ولم يسبق أن اعتُقل في حياته.
وأكمل الصحافي أنّه كان نفسه ضحية للإرهاب، راوياً شهادته على تفجير مزدوج تعرّضت له السفارة المصرية في العاصمة الباكستانية إسلام آباد عندما كان طالباً في مدرسة دولية هناك. وأكّد أنّه يرفض الإرهاب ويعود إلى عائلة ذات تاريخ طويل في الخدمة المدنية، إذ إنّ والدَيه حائزان على جائزة «نوبل» للسلام في عملهما الأممي، ووالده عمل في شرطة لندن ومكافحة الإرهاب قبل أن ينضمّ إلى الأمم المتّحدة. كما خدم جدّه في القوات الجوّية البريطانية في الحرب العالمية الأولى. وأكّد على حبّه لبلده، وأنّ عمله في الصحافة جزء من تقديم رواية أخرى عمّا يقدّمه الإعلام الرئيسي، لكنّه يشعر أنّه وغيره مستهدفون بسبب حديثهم عن فلسطين. وأعرب عن استغرابه من كيفية إساءة تفسير أيّ تصريح مؤيّد أو متعاطف مع غزّة والأزمة الإنسانية فيها التي تُعدّ أكثر مواضيع العالم إلحاحاً، واعتباره مخالفاً لقانون الإرهاب الذي يرى ميدهيرست أنّه خرج عن السيطرة. ويضيف أنّ «قوانين مكافحة الإرهاب يجب استخدامها لمكافحة الإرهاب الحقيقي وليس الصحافة، ولا يمكننا اعتبار أنفسنا في ظلّ ديموقراطية حقيقية عندما يُجرّ الصحافيّون من الطائرة ويعامَلون كقتلة».

تتفوّق بريطانيا على نفسها بإضافة صحافي جديد إلى لائحة تعدّياتها على مفهوم «حرّية الصحافة»

وأعرب عن اشمئزازه من الطريقة التي عومل بها معه أثناء اعتقاله، محذّراً من أنّ حرّية الصحافة تتعرّض لهجوم من الدولة بالتصعيد والقمع لمنع كشف تواطئها مع الإبادة في غزّة. علماً أنّ ميدهيرست يتحدّث الإنكليزية والعربية والفرنسية والألمانية، وحاز أكثر من مليون مشاهدة، في الفيديو الذي كشف فيه تفاصيل اعتقاله.
هي ذاتها بريطانيا التي طردت واجهةُ حكومتها الإعلامية ــــ أي «هيئة الإذاعة البريطانية» ــــ عشراتِ الموظّفين لديها بسبب مواقف سابقة لهم مؤيّدة لفلسطين، وتغطّي حرب الإبادة بلغة منحازة إلى المحتلّ. هي ذاتها بريطانيا التي تنحاز صحفها بيمينها ويسارها («الأخبار» 15/8/2024) إلى السردية الصهيونية. هي ذاتها الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس واعتقلت جوليان أسانج في سجن انفرادي لسنوات لمجرّد فضحه جرائم حرب الإمبراطورية الحالية. اليوم تتفوّق بريطانيا على نفسها بإضافة صحافي جديد إلى لائحة تعدّياتها على مفهوم «حرّية الصحافة» الذي تجول العالم نشراً له، منصّبةً نفسها شرطيّة على شعوب المعمورة التي بالكاد يوجد بينها مَن لم تضعه تحت موسها الاستعماري يوماً.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل