توقيف سلامة.. إجراء عاجل قبل تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية _ أمين أبو راشد

الخميس 05 أيلول , 2024 02:41 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لا موجب للغرق في التحليلات والتعليقات حول توقيت توقيف حاكم مصرف لبنان سابقاً رياض سلامة، لأن تاريخ 15 أيلول الحالي هو ساعة الصفر التي كانت محددة لوضع لبنان على "اللائحة الرمادية"، بقرار من مجموعة العمل المالي( Financial Action Task Force)، "FATF"، وهي منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، تأسست عام 1989، وتعمل على سنّ المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلُّح، كما تقوم بتقييم مدى التزام الدول بتلك المعايير، حيث تستهدف حماية النزاهة المالية على الصعيد الدولي، وكان مقرراً لهذه الهيئة إدراج لبنان على اللائحة الرمادية في نفس التاريخ من العام الماضي 15 أيلول 2023، وتمّ منح لبنان فرصة أخيرة عليه الاستفادة منها قبل 15 أيلول 2024، لتتفادى السلطات السياسية والمصرفية والقضائية فيه، السقوط في "اللائحة الرمادية".

تاريخ 15 أيلول الجاري كان وحده دون سواه العنصر الضاغط لتوقيف رياض سلامة، بدليل الإرباك الذي عاشته وسائل الإعلام، حول سفر حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قبل هذا التاريخ إلى نيويورك، للاجتماع ببعض المسؤولين في منظمة العمل المالي "FATF"، وبآخرين من صندوق النقد الدولي، لطلب منح لبنان فرصة إضافية قبل تصنيفه ضمن "اللائحة الرمادية"، فيما نفت وسائل إعلام أخرى سفره إلى نيويورك، وأنه سيتوجه إلى لندن للاجتماع برؤساء مصارف دولية مُراسِلة، لتفادي عراقيل التحويلات من وإلى لبنان.

ومشكلة لبنان أنه مهيأ للدخول في "اللائحة الرمادية"، بالنظر الى تصنيف السلطة السياسية فيه من أطراف دولية فاعلة، أنها "مارقة" وفاسدة وغير مسؤولة، وتزعزع ثقة الجهات المصرفية الدولية بالمصارف اللبنانية نتيجة أزمة المودعين، إضافة الى الدعاوى المرفوعة في عدة دول أوروبية ضد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ومنها ألمانيا وبلجيكا وفرنسا ولوكسمبورغ، وصدور مذكرات توقيف دولية من الأنتربول بحقِّه وتخلَّف لبنان قضائياً عن تنفيذها، أحياناً بذريعة عدم العثور عليه.

وقد لا يُعطي البعض أهمية لدخول لبنان "اللائحة الرمادية"، لكن هذا الاقتصاد المُنهار، يزداد انهياراً نتيجة التعقيدات المصرفية، ومقتضيات التدقيق في التحويلات التي تتطلَّب وقتاً أطول، مع ارتفاع الكلفة عليها، بما فيها تحويلات المغتربين إلى أهلهم، وتأثُّر حركة الاستيراد خاصة للأدوية والمحروقات والقمح وسواها من المواد الاستهلاكية البديهية.

وما عزَّز الخوف من تاريخ 15 أيلول الجاري، وعجَّل في توقيت توقيف رياض سلامة، أن لبنان سبق وأعطي مهلة سنة منذ أيلول 2023، ولا يكفي أن الوضع ما زال على حاله من الفساد في الجوانب السياسية والاقتصادية والمصرفية، وتسويف قضائي غير مبرر وغير مفهوم، لا للداخل اللبناني ولا للخارج الإقليمي والدولي، جاء العدوان على غزة والدخول الطبيعي للبنان في الصراع على الجبهة الجنوبية، باباً جديداً تأتي منه الريح، بل عاصفة اتهامات دولية حول تبييض وغسل الأموال بهدف التسلُّح، وساهمت جهات سياسية لبنانية في تبييض الطناجر مع الهيئات السياسية والمنظمات الدولية بهدف التشهير بدور المقاومة.

لأجل ما سبق ذكره، لا تحتمل مسألة توقيف رياض سلامة أكثر مما تستحق، فلا سعر الليرة سوف يتحسن عجائبياً، ولا أموال المودعين ستُعاد إليهم على طبق من فضة، ولا الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني ستغدو عمياء، لأنه هذا القطاع متورِّط مع رياض سلامة، وتبقى الورطة الكبرى لكبار السياسيين المذكورة أسماؤهم إلى جانب تحويلاتهم المصرفية خارج لبنان بعد 17 تشرين الأول 2019، وتبقى لمسألة توقيف رياض سلامة قيمة قضائية، وفرملة جزئية للصوص مؤسسات الدولة، ولو كان القضاء اللبناني في السابق بعيداً عن "كوما" السلطة السياسية المارقة، لمَا بلغ لبنان في كل مناحي حياة شعبه وسمعته الخارجية، المرحلة السوداء و"اللائحة الرمادية".


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل