الثبات - إسلاميات
إن الله تعالى أعطى نبيَّه صلى الله عليه وآله وسلم جميع الكمالات البشرية، فهو الإنسان الذي هيأه الله تعالى وأعدَّه وأمدَّه في روحه وجسمه، وعقله وفهمه وسائر مداركه وجوارحه، ومن بين تلك الكمالات ثَباته في المعارك والغزوات، وشجاعته في القتال، حتى قال فيه سيدنا عليٌّ رضي الله عنه وأرضاه وهو من عُرف بالشجاعة: (كُنَّا إذا حمي الوَطِيْس –أي: اشتدت الحرب- واحمرت الحَدَق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذٍ، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأسًا على الأعداء).
وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا اعترت الصحابةُ المخاوفَ، أسرع بنفسه إلى كشفها وإزالتها: قال: أنس رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحسنَ الناس، وأجود الناس، وأشجعَ الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذاتَ ليلةٍ، فانطلق ناس قِبَلَ الصَّوت، فتلقَّاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، واستبرأ الخبر على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ- أي ليس عليه سرج- والسيف في عنقه –أي: كان في جاهزية الدفاع- صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: ((لن تُراعوا)).
فأي شجاعة أعظم من شجاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما تكلمنا عن غزواته ومواقفه فيها والانتصارات فيها، وفتحه جزيرة العرب، وقيادة الجيوش وتنظيمها، واحتماله الجوع والبرد والحر، وقطعه الطرق الوعرة، والمسافات الواسعة، وتهديده بالقتل لترك الدعوة إلى الله تعالى، وتحمله للهجرة من بلده والاضطهاد، وقتل أصحابه وأقربائه والتمثيل بهم، وغيرها من المشاق والمتاعب والمصاعب والتحديات وصبره على مواجهتها، التي تبرهن شجاعة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أضف إلى هذا كله فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يقاتل الأعداء عن قرب منهم، غير مبالٍ بهم كما ورد آنفًا، بالطريقة التي تسمى اليوم بمسافة صفر، وهذه الهيئة في القتال لا تصدر إلا عن من امتلأ قلبه إيمانًا ويقينًا بوعد الله تعالى بالنصر لمن ينصره سبحانه، ولا تصدر إلا لمن علم نفسه أنه صاحب حق، ومثل هذه الشجاعة ما رأيناها في زماننا إلا من أتباع رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، إخواننا المجاهدون على أرض الرباط فلسطين، فقد رأيناهم يواجهون العدو الصهيوني بكل ثباتٍ وإيمان وشجاعة من مسافة صفر، بسلاحٍ لا يضاهي سلاح العدو، ومع ذلك فهم يواجهونه غير مبالين بسلاحه ومعدَّاتِه وعتاده، وقوته وترسانته القتالية، وتحصيناته ودروعه، ومن يقف ورائه.