أقلام الثبات
في معرض العدوان الاسرائيلي على غزة، وقبلها أي خلال الاعتداءات الاسرائيلية على الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي مختلف الاراضي الفلسطينية المحتلة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حروب كلامية بين مَن يدعم فلسطين وحق الفلسطينيين ويدعو الى مساندتهم، وبين مَن يقول "فلسطين ليست قضيتي"، وذلك في معرض التباين السياسي الداخلي اللبناني وبين المغردين العرب، الذين وجدوا في القضية الفلسطينية سبباً إضافياً للانقسام، وحيث انطلق البعض من مقولة "عدو عدوي صديقي"، وأن "الشعوب العربية تريد السلام".
تذكرنا تلك الحروب الكلامية العربية، أن بعض العرب أحياناً يساقون بالغرائز فيتناسون بديهيات الحسّ الإنساني الذي يدعو الى مناصرة المظلوم، والشهادة للحق، والانتصار للخير على الباطل. ولا يختلف اللبنانيون عن المغردين العرب، فالعديد من اللبنانيين، أبدوا آراءً غير داعمة لفلسطين ومنهم بعض المسيحيين.
بالنسبة للمسيحيين، يظهر أن من يسمون أنفسهم "اليمين المسيحي" هم الأكثر حماسة للتنصل من مناصرة فلسطين انطلاقاً من الذاكرة المثخنة بتاريخ من الصراع اللبناني الذي انخرط فيه الفلسطينيون، خاصة خلال الحرب الأهلية. علماً أن التاريخ يشير الى أن دعاة "القومية اللبنانية" من المسيحيين كانوا من الاوائل الذين نبّهوا الى خطورة المشروع الاسرائيلي، ونورد في ما يلي بعض النماذج على سبيل المثال لا الحصر:
مع إقرار الأمم المتحدة قرار التقسيم، ومسارعة "الاسرائيليين الى إعلان "الدولة"، تنبّه كل من ميشال شيحا وشارل مالك الى خطورة ما حدث، فاعتبر ميشال شيحا أن "قرار انشاء "اسرائيل" هو جريمة ضد الطبيعة، ضد الاخلاق والتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، وإن الصيغة التوافقية والتفاعلية الحضارية اللبنانية هي النقيض للصيغة العنصرية الاسرائيلية، لذا هي في خطر جسيم"، وأضاف "ان صراعًا بين اسرائيل والعرب، وفي مقدمهم لبنان، هو صراع وجود وحدود معاً".
أما شارل مالك، فقد نبّه في تقريره المرسل الى الدولة اللبنانية عام 1949، من مغبة أن يحصل "اتفاق خفي بين اسرائيل وبين بعض اللبنانيين القصيري النظر، فيحدثون انقلاباً موالياً لاسرائيل، مؤكداً ان "انقلاباً كهذا يجرّ حتماً الى الفوضى، فتدخلٌ سوري عربي، فتدخلٌ اسرائيلي، وبالتالي الى حرب جديدة، لن يكون لبنان الكاسب فيها على الاطلاق".
وهكذا، نجد أنه كان هناك وعي مبكر لدى اللبنانيين بخطورة المشروع الاسرائيلي على لبنان والمنطقة، لكن المشكلة أن "التعب" والمشاكل الداخلية في كل بلد من البلدان العربية وخاصة دول الجوار الفلسطيني، أدّت الى أن تزايد محاولات التهرب من مسؤولية دعم فلسطين بحجة أن "لدينا ما يكفينا من المشاكل".
لكن، إن الهروب من المشكلة لا يحلّها، وليس المطلوب أن تشنّ حرب انطلاقاً من لبنان لمناصرن الفلسطينيين، لكن الحياد في قضية حق، وفي مناصرة الحق ضد الباطل هو خيانة لكل المفاهيم والمبادئ الانسانية، وحتى المسيحية التي تدعو الى "الشهادة للحق" التي لطالما كانت في صلب العقيدة المسيحية.