أقلام الثبات
التقارب في النقاط بين دونالد ترامب وكمالا هاريس في السباق الى البيت الأبيض، جعل مؤسسات استطلاع الرأي والمسح الاستقصائي في حالة من الإرباك، كون هذا التقارب بين المرشَّحَين ليس محسوماً لصالح هذا دون ذاك، وبقدر ما تفوَّق ترامب على المرشح السابق الرئيس بايدن بعد المناظرة الأولى، تفوَّقت خليفة بايدن كمالا هاريس على ترامب في المناظرة الأولى، لدرجة أن ترامب رفض إجراء مناظرة ثانية معها، وانتهى السباق بينهما إلى محاولة استقطاب الجمهور الأميركي عبر المهرجانات الانتخابية لكلا الفريقين، واستخدام المالي الانتخابي - المشروع في الحملات - لاستمالة الولايات المتأرجحة، وحتى في هذه الولايات برز التقارب في النقاط.
ومع احتساب هامش الخطأ المُتعارف عليه في الاستطلاعات أنه 2% فإن كل نتائج هذه الاستطلاعات لا توحي بمَن سيصل إلى البيت الأبيض.
اللافت في هذه الانتخابات بالذات، غياب تأثير الملفات الخارجية عن الخطاب الانتخابي؛ من الصين إلى روسيا إلى أوكرانيا، وحضور طاغٍ للشرق الأوسط، خصوصاً العدوان "الإسرائيلي" على غزة ولبنان، لدرجة أن مَن يفوز بكسب موقف من بنيامين نتانياهو، لوقف إطلاق النار من عدمه، يستطيع تجيير هذا الموقف كإنجاز لصالحه، ولغاية آخر ثلاثة أيام من موعد الانتخابات الأميركية، ما زال "بيبي" نتانياهو، كما يناديه صديقه ترامب، يرفض بيع الموقف لإدارة بايدن المتهالكة، وبالتالي ترجيح "فوز" ترامب في "ولايتي غزة ولبنان" بفارق كبير عن هاريس، ما يعزز وضعه في الولايات الأميركية المتأرجحة: بنسلفانيا، ميشيغان، ويسكونسن، جورجيا، كارولينا الشمالية، أريزونا ونيفادا، لأن الفوز ب"صوت" نتانياهو بعدم الاستجابة لنداءات بايدن بضرورة وقف النار وتحرير الرهائن، يحرم الحزب الديمقراطي من إنجاز في السياسة الخارجية، وبالتالي يحول دون استثمار كل جهود بايدن في صناديق الاقتراع.
ولبنان ضمن غالبية دول الشرق الأوسط التي تعتبر المفاضلة بين المرشَّحَين الجمهوري والديمقراطي، ما هي سوى خيار بين السيء والأسوأ، ومشكلة هذه الانتخابات بالذات أن الشرق مُشتعل بأسلحة أميركية وأيدي شرّ أميركية، وتفضيل كمالا هاريس على دونالد ترامب، رغم حماس الإثنين لدعم "إسرائيل"، فإن هاريس ليست من صلب الدولة العميقة، لأنها مُهاجرة، وليست من العرق الأبيض، ولا هي من بيئة لوبي الأعمال ولا مافيات المال وصناعة الموت بتجارة الأسلحة، وكتابة سيناريوهات الحروب، لا بل هي ليبرالية في ابتعادها عن قيود الدولة العميقة.
ساعات، وليست أياماً، تفصل نتائج "فرز الأصوات" في "ولايتي غزة ولبنان"، لأن حراك مدير السي آي إي وليم بيرنز بين الدوحة والقاهرة، وآموس هوكستين العائد إلى تل أبيب برفقة بريت ماكغورك؛ كبير مستشاري بايدن، آخر محاولات الرئيس الأميركي لقطف وقف إطلاق النار وتثميره لكمالا هاريس يوم الأحد المقبل، وكل موقف إيجابي حول وقف النار بعد يوم الأحد، يعني نية نتانياهو هي تجيير الصوت لدونالد ترامب.
وإذا كان آموس هوكستين قد سبق وغادر تل أبيب إلى واشنطن منذ أيام دون المرور ببيروت، فهذا يعني جواباً سلبياً من نتانياهو حول وقف النار مع لبنان لمدة شهر أو شهرين، كمرحلة انتقالية لتطبيق القرار 1701، وأن نتانياهو قد طرح (1701 Plus) كنسخة معدلة عن (1701)، مع ما تتضمنه التعديلات من شروط "إسرائيلية" تنتهك سيادة لبنان، ولن تكون مقبولة من الحكومة اللبنانية ولا من المقاومة.
إذاً، لماذا عاد هوكستين إلى تل أبيب بعد أيام من مغادرته، ومعه كبير مستشاري بايدن؟ والجواب قد يكون أنه حضر بطلب "إسرائيلي" عاجل، ليس لبيع بايدن وهاريس موقفاً إيجابياً داعماً بالموافقة على وقف إطلاق النار، وإعلان ذلك قبل انتخابات يوم الأحد، بل يبدو الجواب الأكثر واقعية أن العملية البرية "الإسرائيلية" لم تؤتِ ثمارها على الحافة الحدودية اللبنانية، ولن تؤتي، ووقف النار بات حاجة "إسرائيلية".