أقلام الثبات
تحت وطأة حر بسيط، وبعد كارثة زلزال عصف بتركيا، يخرج أردوغان ليواجه المعارضة في الانتخابات التركية الأخيرة ، متحزماً بشريط أسود يشبه تاريخه مستغلا الأخوة مع السوريين، وعدم تركهم "للظلم" مثلما زعم ، وكأنه أب حنون يصارع الواقع لحفظ مستقبل أبنائه، متناسياً سرقة آثارهم ومشاغلهم ومصانعهم ومعاملهم ونهبها تحت شمس "المعارضة السورية" التي احتضتنها ساطعة، ولا يزال يسرق خيرات السوريين ومقدراتهم تحت فتاوى لم يأت بها الدين، ليقول في مهرجانه الأخير مخاطباً جماهيره: "جئنا اليوم بهذا الحشد لنجعل بعضهم يذهب إلى التقاعد، أتعرفون ما هو صحيح؟" ويكمل ولكن بلغة الشعر: "الطريق إليه والبقاء له...كثيراً ما زحفت يا صقاريا فانهضي، فها هي إسطنبول تنهض على قدميها" ويضيف مغازلاً إسطنبول: "إن لم نحب إسطنبول فما الذي يعرفه القلب من العشق؟" ويكمل خطابه وهو يصف إسطنبول وكأن لا أحد من الجماهير يعرفها! ثم يمضي بأحلامه الوردية إلى ما بعد صناديق الاقتراع.
بدأ مخاض الجبل في صباح الأحد الفائت، املا بولادة طبيعية ونصر الانتخابي أكيد، لكن هذا الأمل ما لبث أن لاذ بالفرار في الساعات الأخيرة من ليل الأحد، ليأتي الخبر: "نعم الجل أنجب، ليرد متسائلاً: وماذا أنجب، ليشله الرد: أنجب فأراً"، فزعيم المعارض اقترب كثيراً من أردوغان ورقمه الصعب الذي كان يحلم به، ليأتي بنسبة 44.79 في المئة، في حين أن أردوغان "الجبل" حصل إلى 49.49 بالمئة من الأصوات، لتذهب الأمور إلى مرحلة نهائية تحرق الأعصاب وتزيد من توتر أردوغان أكثر فأكثر. وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، نجد أن أردوغان حول تركيا إلى نقطة ترانزيت لتصدير الإرهاب، ودعمه على المقاس الذي يحبه، وتوظيف تلك الورقة كوسيلة لاستثمار الأزمة السورية من جهة، وابتزاز الحلفاء من جهة أخرى، والتلويح بملف الهجرة بين الفينتة والأخرى، مهدداً الأوربيين بإغراق أوروبا بالمهاجرين، ليقوم في وقت لاحق بتوظيف السوريين في الأزمة الليبية، وكأن الدين جاء له وباسمه، وكأن "الجهاد" لا يكون إلا من خلال أردوغان وأفكاره الشيطانية.
وبالعودة إلى موضوع الانتخابات التركية، فلا بد لأردوغان من الذهاب إلى جولة أخرى، متمنياً أن ينجب الجبل هذه المرة كرسي الرئاسة مرة جديدة والذي بات في الآونة الأخيرة شبه مستحيل، فأردوغان اليوم ليس كالسابق ، بمعنى آخر: "بلش يلمس كرسيه ويغنيلو: "لا تخليني وتروح"، على ألحان منافسه كمال كليجدار أوغلو، فهل سيرقص أردوغان في 28 أيار الجاري، أم أنه سيقف على أطلال إسطنبول وينشدها شعراً وهو يبكي؟