أقلام الثبات
لم تجفّ دماء القادة الشهداء في حركة "الجهاد الإسلامي" وعشرات المدنيّين بعد غداة ايام قليلة على انتهاء جولة غزّة الدمويّة، حتى بدأت خيوط تصعيد "اسرائيلي" آخر تلوح في الأفق مع التحضّر لمسيرة الأعلام الإستفزازيّة المقرّرة غدا الخميس، والتي سيشارك فيها آلاف المستوطنين بحماية الالاف من الجنود وسط ترقّب وتخوّف من اقتحام باحات المسجد الأقصى الذي سيُعتبر بمثابة "اعلان حرب"، ويكفي ان يتقدّم حشود المستوطنين امثال الوزراء ايتمار بن غفير وسموترتيش اضافة الى ما يناهز 5000 مستوطن بدعوة من منظّمة الهيكل المتطرّفة "بيدينو" –المتخصّصة بتنظيم اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، لتُفتح الأبواب على مصراعيها امام احتمال اندلاع جولة تصعيد جديدة قد تكون هذه المرّة "اكبر وتتجاوز حدود غزّة"، خصوصا انّ تحذير الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ل"اسرائيل" بخطابه في "يوم القدس العالمي" منتصف الشهر الماضي، من مغبّة المساس بالمقدّسات الاسلاميّة والمسيحية واعتبارها "خطّا احمر" لا زال ماثلا في الأذهان سيّما مع تلويحه بأنّ المسّ بها قد يتسبّب بحرب كبرى.
بنيامين نتنياهو الذي خرج من جولة غزّة متمسّكا بانتصار مزعوم يحتاجه بشدّة للهروب من مأزقه الداخلي، ومدّعيا انّ "اسرائيل" في هذه الجولة نجحت في تغيير ميزان الرّدع"،هدّد ب"اهدار دم من يستفزّنا الخميس"، وقال " لقد قتلنا خلالها نصف قيادة الجهاد الاسلامي في ضربة مفاجئة، والنّصف الاخر اثناء العمليّة".. تقصّد نتنياهو القفز فوق احباطه وحرجه امام استمرار دكّ المستوطنات بالصواريخ حتى اللحظة الاخيرة مع دخول اتفاق الهدنة حيّز التنفيذ، على عكس توقعاته من انّ الضربة الغادرة والمباغتة لقادة القوّة الصاروخية في حركة "الجهاد" ستشلّ ايدي المقاومين..
وتغافل نتنياهو ايضا عن ذكر دور ومساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في عملية غزّة، كما دور المخابرات المصريّة في "تسهيل" الوصول الى اغتيال قادة حركة"الجهاد" الثلاثة فجر الثلاثاء الماضي، بعدما تعهّدت لها " بأنّ اسرائيل لن تقوم بأي عمليّة اغتيال بحقّ قادتها وكوادرها"، ما حفّزهم على مغادرة "مربّع" الإحتياطات الأمنيّة المكثّفة والذهاب الى بيوتهم للتجّهز للإنطلاق الى القاهرة بعدما وصلهم الإذن المصري..في واقعة مشابهة لتلك التي ادّت الى استشهاد القائدّين تيسير الجعبري وخالد منصور.. هذا اضافة الى "ضمانة" قطريّة لإسرائيل، بعدم تدخّل "حماس" في المواجهة.. وهو ما لم يُغفله محلّلون ووسائل اعلام عبريّة.
المحلّل السياسي في موقع "واللا" بن كاسيبت استغرب الكلام عن" نصراسرائيلي في وقت لم يتوقف تساقط وابل الصواريخ على الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، مضيفا" انّ زعم الإنتصار الإسرائيلي هذا، بعيد المنال ولا يُصدَّق ويكاد يكون خياليا"!
وعشيّة انطلاق مسيرة الاعلام الخميس الثامن عشر من مايو على وقع استنفار "اسرائيلي"عالي المستوى تتجه كل الانظار الى اخطر ما قد يرافق استفزازات حشود المستوطنين بحقّ الفلسطينيّين والمقدّسات.. "ماذا لو تمّ اقتحام باحات المسجد الأقصى؟ وتدحرجت الاوضاع نحو مواجهة كبرى؟ هل ستنخرط "حماس" بهذه المواجهة؟ ام تنأى بنفسها مرّة اخرى عن مساندة المقاومين في حركة "الجهاد الاسلامي" وباقي الفصائل؟ ماذا عن احتمال تدخّل حزب الله؟
الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله قالها علانية في خطابه يوم الجمعة الماضي اثناء العدوان على غزّة:" لن نتردّد بالتدخّل عندما تفرض المسؤوليّة ذلك".. رسالة واضحة وصلت الى الكيان وفهمها جيّدا: تلويح بل تهديد بتدخّل حزب الله في المعركة!.. "اذا ما تجاوز نتنياهو الخطوط الحمر.. فتدخُّل الحزب في المعركة لن يبقى مجرّد احتمال".-وفق ما جزمت شخصيّة امنيّة لبنانية مقرّبة من محور المقاومة.. وإذ لفتت الى انّ قيادة حركة "الجهاد الإسلامي" ومن خلفها محور المقاومة لا يثقون بالهدنة واستقرارها، بل هي "استراحة محارب" لإعادة" تذخير" العدّة الصاروخيّة والتجهّز للجولة الأخطر التي لن يطول اوانها..اوضحت انّ ملعب المواجهة لن يبقى هذه المرّة ضمن حدود غزّة مهما جاهد نتنياهو "للإستفراد" بحركة "الجهاد" في القطاع.." ولربما وجب التوقف مليّا عند "رسالة" المناورة العسكرية اليمنيّة الكبرى يوم الاثنين -8 ايار الماضي، قبيل يوم واحد من عمليّة اغتيال قادة "الجهاد" فجر الثلاثاء، والتي حاكت هجمات على معسكرات اميركية و"اسرائيلية" وصُنّفت ب "اكبر التمرينات العسكرية التي تجريها القوات المسلحة اليمنيّة.
ولربما ايضا وجب على اصحاب "الرؤوس الحامية" في تل ابيب، التوقف عند تحذير رئيس الشاباك السابق يوفاق ديسكن والذي دعا الجميع " للتجهُّز لموجة العمليات القادمة -التي ان لم تحذث في مسيرة الأعلام فستحصل بعد وقت قصير.. وقال:" تذكروا حينها انه لم يتغيّر شيء بفعل الاغتيالات. علينا التجهُّز للجولة المقبلة بأسرع ما يمكن".. رغم المزاعم والتهديدات عالية النّبرة التي مرّرها نتنياهو وقوله" من يستفزّنا الخميس دمه مهدور".. الا انّ التحذير الذي مرّره السيّد نصرالله بعدم تردّد حزب الله من دخول المعركة، تلقّفه نتنياهو جيدا سيّما انه أُلحق بآخر اوصلته حركة "الجهاد" الى "الوسيط" المصري، وفيه" انّ الحركة الجاهزة بقوة للجولة التالية، تَعِدُ نتنياهو بالكشف عن "اوراق مخفيّة " ستتسبّب بزلزال في الكيان.. صحيفة "هآرتس" العبرية لفتت الى "انّ الشرطة "الاسرائيلية" اعطت اوامر إبعاد لعدد من النشطاء اليهود من البلدة القديمة"، فيما ذكر موقع " 124 نيوز" انّ الشرطة ستعمل على الا تتجاوز المسيرة شارع صلاح الدين المقابل لباب العامود"، مرجّحا "انّ المسيرة لن تمرّ عبر باحات الأقصى"!
الا انه لا يمكن اغفال انّ ايّ خطأ بالحسابات قد يكون فتيلا لإشعال مواجهة كبرى..وعليه، فإنّ الجهوزية العسكرية والأمنية وصلت الى اقصاها على ضفّة حزب الله-كما فصائل المقاومة الفلسطينية مجتمعة- وفق ما اكّدت شخصيّة قيادية في محور المقاومة، لفتت ايضا الى انّ الايام والاسابيع القادمة "ستكون ثقيلة جدا على نتنياهو وحكومته".. هذا على وقع تسريبات صحفية نُقلت عن مصدرَين غربيّيَن، كشفت عن حدث كبير مرتقب في المنطقة بعد انتهاء القمة العربية في السعودية، وزيارة شخصيّة تركية مفاجئة وُصفت ب "رفيعة المستوى" الى دمشق للقاء الرئيس السوري بشار الأسد.