أقلام الثبات
لن نتوقَّف عند الكارثة البروتوكولية التي تسببت بها علكة وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، خلال إلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كلمة لبنان التي تشبه بمضمونها علكة بو حبيب، خصوصا خلال ترحيب ميقاتي بعودة سورية الى حضن الجامعة العربية، بينما هو شخصياً، ما زال يُكابر عن زيارة دمشق لحلحلة ملف النازحين السوريين بدل أن يحمله معه الى جدة ويعلك به هناك، سيما وأنه بدا مغتبطاً بتمثيل لبنان والجلوس على مقعد "الجمهورية اللبنانية"، وهو يدرك، أن موقع لبنان اليوم بالنسبة للعرب، ما عاد سوى تفاصيل مزعجة لمسلسل حكايات طبقة سياسية غير مسؤولة. الوزير بو حبيب "أميركي النشأة"، بالنظر الى خدمته الطويلة بين نيويورك وواشنطن بصفة سفير، حيث الحرية الشخصية هناك لا تمنع ربما الرئيس الأميركي من وضع رجله على المكتب وحذاؤه بوجه الجلساء، لذلك لا بأس من هذه الهفوة التي ارتكبها، طالما أنه رمى العلكة عندما ضبطته كاميرا اللجنة المُنظِّمة للقِمَّة، وأرسلت له سفير لبنان لدى المملكة طالباً منه رمي العلكة، فيما الرئيس ميقاتي تابع كلمته التي تتشابه مع كل الكلمات المعلوكة عبر تاريخ كل القمم العربية، ولو أن قِمَّة جدة تحمل ما لم يَبُح به أي مُتكلِّم من نحو عشرين دولة تناوبوا على الكلام.
الغالبية رحبوا بعودة سوريا، والجميع شكروا الجزائر لرئاستها السنوية للقِمَّة الماضية، والجميع أيضاً رحَّبوا بانتقال راية رئاسة القِمَّة هذه السنة الى المملكة العربية السعودية ولكن، أبعد من كل المؤتمرات والقِمَم الشكلية، فإن المملكة استلمت مع راية رئاسة القمة، راية الزعامة العربية والإسلامية السُنِّية بلا مُنازع ولسنوات طويلة مقبلة ، فلا مصر المُجهدة إقتصادياً في وضعٍ يسمح لها بمُنازعة المملكة عربياً، ولا تركيا المُرهقة داخلياً في وضعٍ يسمح لها بمُنازعة المملكة إسلامياً، خصوصاً بعد التوافق الإقليمي الكبير بين المملكة والجمهورية الإسلامية في إيران. وبمعزل عن بيان قِمَّة جدة الذي عَكَس الهدوء الإقليمي مع إيران، فإن المقررات جاءت عادية بالنسبة للقضية الفلسطينية، بإستثناء أن تباشير وقف مسلسل التطبيع مع العدو الإسرائيلي لاحت في الأفق، وحضرت الهموم السودانية والليبية واليمنية والسورية أكثر من سواها، ولم تمرّ المناقشات على لبنان سوى ما يرتبط منها بملف النازحين السوريين، ووجوب إعادتهم من دول الجوار، بينما الدولة اللبنانية المعنية الأولى بهذه المسألة، ما زالت لغاية الآن لا تمتلك داتا دقيقة عن أعدادهم وتصنيفهم وأماكن توزّعهم، لو طُلبت منها لوائحَ بهم، سواء للجنة متابعة منبثقة عن الجامعة العربية أو من أية لجنة دولية.
وبمقدار ما حمل الوفد اللبناني من ملفات رثاء واستجداء واستعطاء، بقدر ما أن العرب لهم حق الإستهزاء بدولة عاجزة عن استيلاد سلطاتها من انتخاب رئيسٍ للجمهورية الى اتخاذ قرار انتخاب مخاتير ومجالس بلدية، فيما حاكم المال العام مطلوب دولياً ويتمتع بغطاء عصابة سياسية مافيوية تحميه من القضاء والأمن وحتى من الإنتربول.
نعم، عاد الوفد اللبناني من القِمَّة خالي الوفاض لأنه ذهب إلى جدة خالي الوفاض، عاد فقط بتوجيهات من القِمَّة، بوجوب التحرك الحكومي اللبناني وتشكيل لجنة وزارية لمتابعة ملف النازحين والقيام بزيارات الى دمشق للتنسيق الجاد بهذا الخصوص.
هذا هو حجم الملف اللبناني بنظر العرب ودول الخليج والمملكة السعودية تحديداً، خصوصا بعد الإنفتاح الإقليمي الأخير لملفات التقارب بين الكبار بهدف التأسيس لشرقٍ آمن، تحتاجه المملكة ضمن خطة 2030 لنهضة عملاقة، ومعها كل الدول الخليجية وبشكلٍ خاص الإمارات وقطر، وسلطنة عُمان تتهيأ لإطلاق خطة تنمية 2040، وهذا الأمن الإقليمي تحتاجه أيضاً إيران كي تخفف من ظلم الحصار والعقوبات الأميركية عليها، بالتزامن مع انتفاضة المملكة على الإملاءات الأميركية، بحيث باتت تبيع مشتقاتها النفطية بالعملات الروسية واليابانية والصينية.
أمام التحولات الإقليمية المفاجئة والمتسارعة في ملفات كبرى، نتساءل: في أية زاوية من الإهتمامات العربية والخليجية يُمكن أن يقبع ملف لبنان، وسلطته الفاسدة الفاشلة، عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من الإصلاحات المطلوبة من العرب ومن الغرب، كشرطٍ أساسي لتقديم المساعدة والدعم، خصوصاً أن سمعة غالبية من تناوبوا على السلطة اللبنانية ويتناوبون حالياً، لا توحي بالثقة، والأسماء مُدرجة على اللوائح السوداء الإقليمية والدولية كما المطلوبين للعدالة؟!