والدي الصحافي أحمد زين الدين .. في أربعينيتك سلام و تحية

الإثنين 15 كانون الثاني , 2024 12:32 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات 

 

في يومك الأربعين, سلام و تحية ...  

سلام يا أبي,  

أربعون يوما مروا على رحيلك كأنها أربعين ثانية بالنسبة لنا. ما زلت لا استطيع تصديق الخبر. أحار بيني و بين نفسي من ألوم, أألوم ذاك الخبيث المقيت لأنه تسلل اليك؟ ام الومك لأنك لم تنتصر عليه و انا الذي اعتدت على وقفاتك و مواقفك مهما اشتدت المعركة.  

تستحضرني العديد من الذكريات هنا, اتذكُرُ مثلا يوم اقتحم عدد من المسلحين المنزل لإخراجنا منه بالقوة؟ يومها –و كما العادة- كانت الكهرباء مقطوعة و الدنيا ظلام وانا لما ابلغ التاسعة بعد, لقم احدهم رشاشه امامنا مهددا اياك, و لكنك لم تهتز. ناولته مفتاح البيت فيما هو يمهلنا حتى اليوم التالي للإخلاء. لكنك بكل بساطة في اليوم التالي غيرت قفل الباب, و حتى هذه اللحظة لا اعرف ماذا فعلت يومها!  

اتذكر ايضا تلك الصحيفة المحلية التي اتصلت بك عارضة عليك الراتب الذي تريده, فقط اطلب و نحن ندفع. و لكنك رفضت بكل حزم لأنها لا تتوافق مع مبادئك و مواقفك فأنت لست ممن يبيعون المواقف. يومها ثارت ثائرتنا, ماذا تفعل؟ لكنك لم تهتز و بقيت على رأيك و اثبتت الأيام انك كنت على صواب.  

بالمناسبة, دعني اطلعك على سر, عندما انهيت دراستي الثانوية, كانت الصحافة احدى خياراتي ولكنني ابقيتها آخر الخيارات. اتعرف لماذا؟ لأنني كنت اراك كم تعاني و تتعب في وقت فيه العديد من (الصحافيين) المتنعمين و اصحاب النفوذ. كنت على حيرة من أمري و لكنني لم اخبرك بشيء, لماذا هم  و لماذا انت؟ لكن لا, لا اريد ان اكون مثلهم. و لو عاد بي الزمن لإخترتك انت بلا تردد. فأنت الف مرة على ان اكون من خدم البلاط و السلاطين مرة – و ان اللبيب من الإشارة يفهم.  

افتقدك كثيرا هذه الأيام, لا زلت كعادتي –التي استلهمتها منك- اقرأ الصحف صباحا, اتابع التقارير الإخبارية و احاول ان اكوِن تصوري الشخصي. لكنني في نهاية المطاف افتقد تحليلك و نظرتك الصائبة للأوضاع بشكل عام. كنت تختصر كل الصحف و الأخبار و التقارير بقراءة من ثلاث دقائق. كم اشتاق لهذه الدقائق الثلاث. كم اتمنى لو كنت لا زلت معنا خصوصا في هذه الأيام لترى ماذا تفعل مقاومتنا المجيدة في فلسطين و لبنان. كم اتمنى لو رأيت ما يسطره ابطالها في هذه الأيام من ملاحم تفوق الخيال, اتخيل ماذا كنت ستقول لي و اتوقع انك كنت ستقول "النصر آت حتما, لا محالة". المقاومة كانت جزءا لا يتجزأ منك, تعيش في قلبك و روحك و وجدانك و هي كانت دافعك في الحياة و في كل مواقفك و عن عميق اقتناع و قناعة و تاصرت المظلومين في كل بقاع الأرض و نحن تشربنا هذا الحب منك.  

ختاما, يقولون قل لي من تعاشر اقل لك من انت. بعد اربعين يوما من رحيلك, لم يبق احد من اصدقائك و زملائك و رفاقك و محبيك الا و اتصل بنا مواسيا و معزيا, اناس لا اعرف الكثيرين منهم و لكنني تفاجأت بمعرفتهم بنا و بكم المحبة و الإحترام لشخصك, اربعون يوما قالت لنا من هو أحمد زين الدين.

رجل المواقف و الكلمة الصلب الذي لا يهزم حتى في أحلك لحظاته. اعود الى سؤالي الأول في البداية: أألومك لأنك لم تنتصر؟ قطعا لا. اصلا هو لم يهزمك فأنت القائل: "سأهزمه حتى لو قتلني". ربما لم تعد جسدا معنا, و لكنك لا زلت بيننا, في كل مقالة و كتاب و جريدة. في وجه كل محب و صديق. في رصاصة كل مقاوم. و لعلني سأخبرك في زيارتي القادمة بآخر التطورات السعيدة.  

سنشتاق اليك دائما, فالفراق صعب و لكنها سنة الحياة الدنيا. فرحمة الله و مغفرته لك و لروحك الرحمة و السلام.  

 

حسام أحمد زين الدين  

 

* في ذكرى مرور اربعين يوما على وفاة والدي الصحافي و الكاتب أحمد زين الدين عضو أسرة جريدة الثبات.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل