قرار الحرب الشاملة بيد اميركا وإيران! ـ د. نسيب حطيط

الخميس 18 كانون الثاني , 2024 08:39 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

توسّعت "الحرب الفلسطينية - الإسرائيلية" على مستوى الجغرافيا والجبهات والاطراف المشاركة، وتطوّرت من القتال المباشر على جبهتي غزة ولبنان الى القتال عن بعد بالصواريخ والمسيّرات اليمنية والعراقية، ثم تطورت الى الحرب الأمنية عبر الاغتيالات في ساحات متعددة، بعضها معلن وبعضها غير معلن.
توسّعت الحرب من معركة بين المقاومة الفلسطينية الى قتال بين محورين؛ المحور الامريكي ومحور المقاومة والجهاد، بعد التدخل المباشر لأمريكا وبريطانيا بقصف اليمن.
يتردّد في الاعلام والسياسة والمناقشات السؤال: متى تبدأ الحرب؟
هو سؤال خاطئ وفي غير محله، فالحرب بدأت وهي قائمة الآن دون ان يسميها المشاركون حرباً، إنما مناوشات وضربات.. ورد على الضربات.
السؤال الاكثر صوابا وواقعية: متى تقع الحرب الشاملة؟
قرار الحرب الشاملة، وخلافاً لما يشاع او يتم الاعتقاد به، هو بيد أمريكا وإيران؛ كقائدتين لمحورين يتصارعان بشكل مباشر منذ بدء "الربيع العربي"، وغير مباشر منذ أكثر من عقدين او ثلاثة، وليس بيد اي طرف من الاطراف المشاركة الاخرى، وان كان سيكون أحد ابواب الحرب الشاملة.
حتى اللحظة، تعلن امريكا وإيران عدم رغبتهما ببدء الحرب الشاملة بينهما، والاكتفاء بالقتال عبر الحلفاء وأطراف محور كل منهما، مع التدخل الظرفي لضربات موضعية يحتاجها بعض المرات الدعم المعنوي والمادي لحلفاء لكل منهما.
إيران لا تريد الحرب لأسباب عديدة:
-  عدم خوض معركة مباشرة وحرب شاملة ضد امريكا، نتيجة عدم توازن القوى بين الطرفين، ونتيجة البعد الجغرافي لأمريكا، حيث ستبقى الجغرافيا الأمريكية بعيدة عن الضربات الإيرانية، مما يحصر خسارة امريكا بقواها وقواعدها العسكرية، بينما ستتلقى الدولة الإيرانية ضربات مباشرة.
- المصلحة الإيرانية ان تخوض حرب استنزاف طويلة الامد مع امريكا بواسطة حركات التحرر التي لا تقيدها القوانين الدولية او المصالح الدولية واستحالة القضاء عليها وتفكيك بنيتها وهيكليتها كما يحصل بتفكيك الدول والكيانات الرسمية.
-  اعتقاد إيران بضرورة تأخير الحرب لاستكمال توسعة محور المقاومة والجهاد على مستوى العالم الاسلامي ومنطقه الشرق الاوسط وامكانية توسعته على المستوى العالمي، مادامت امريكا تقود العالم ولها نفوذها العالمي، وبالتالي لا يمكن حصر القتال معها في منطقة الشرق الاوسط فقط، مما يعطيها ورقه قوة لحشد كل قواتها في جغرافيا معادية لإيران من الدول العربية وغيرها.
اميركا لا تريد الحرب الشاملة (الآن)، لعدة اسباب:
-  حالة الارباك والعجز الذي تعيشهما "إسرائيل"، مما يفقد اميركا الذراع العسكري الاساسي الذي تستخدمها في اي حرب على منطقه الشرق الأوسط، بل زادت المشكلة بأن "اسرائيل" بحاجة للحماية وترميم منظوماتها السياسية والعسكرية والأمنية لحماية نفسها أولاً، وللعب دور في الحرب المقبلة، وهذا يحتاج لسنة او اكثر؟
- استنزاف موازنات الدول العربية في "الربيع العربي"، وحاجة هذه الدول للحماية لعجزها عن حماية نفسها وفشلها في حربها على اليمن وسوريا، مما يجعل الامريكيين يترددون في الاعتماد عليهم في حرب شاملة، بحيث ان العرب لن يستطيعوا الا دفع الأموال لتمويل الحرب وشراء التكفيريين للقتال، وإطلاق المواقف السياسية وفتاوى التكفير وحرمة القتال ضد اميركا و"إسرائيل"، مع انعدام القوة العسكرية
- تعدّد جبهات القتال، مما يستدعي نشر القوات الأمريكية على مستوى جغرافيا الشرق الاوسط؛ من اليمن الى إيران الى العراق الى لبنان الى الخليج الى فلسطين المحتلة، وهذا ما سيُرهق القوات الأمريكية، ولا يمكن تامين العديد اللازم بسبب ان حلف "الناتو" يعاني من مشكلة "العقم" العسكري، إذا لم يشارك الاتراك.
- الخوف الامريكي بعد تجربه "الربيع العربي" الذي فتح نافذة لعوده روسيا الى المنطقة وبناء قواعد في سوريا، مما سيفتح الباب لهم ايضا في جغرافيا اخرى، والاسوأ بالنسبة لأمريكا هو ان يتشجّع الصينيون ويصبحوا شركاء مع الروس في منطقة كانت نقية للسيطرة الأمريكية دون منازع!
لكل ما سيق، سيلجأ الطرفان الامريكي والايراني الى معارك موضعية، يمكن ان تكون قاسية وصعبة بما يسمى "الحرب المتنقلة"، كما حدث في غزة، ثم ما يمكن ان يحدث في لبنان ثم اليمن ثم سوريا ثم العراق ثم إيران..  
ستلجأ اميركا الى العمل الامني واعادة احياء الصراع المذهبي السني - الشيعي، وتفعيل الجماعات التكفيرية "المارينز التكفيري" الذي تم استخدامه ضد "السوفيات" وفي "الربيع العربي"، ويمكن مشاغلة وارباك إيران؛ من "طالبان" افغانستان الى التكفيريين من باكستان ثم من كردستان واشعال الانتفاضات الداخلية في إيران، مع الاغتيالات.
تحاول اميركا تعميم هذه الخطة ن في ساحات أخرى (لبنان سوريا العراق اليمن..)، بانتظار التحضير للحظة المناسبة لتوجيه ضربة قاسية يعتقد الجميع انها تُنقذ المشروع الامريكي، وذلك عبر ضرب المقاومة في لبنان وانهائها والقضاء عليها، وهذا ما يتم التحضير له بانتظار التوقيت الذي يضمن ربح المعركة...
للاستعداد واعادة تخطيط وتدعيم سبل المواجهة بشكل موضوعي وهادئ غير انفعالي، لضمان هزيمة المشروع الأمريكي وتحقيق النصر، فربما وقعت الحرب بحادث غير مقصود.
(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ).


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل