أقلام الثبات
عاشت "إسرائيل" ليلة السبت الأحد صدمةً من نوعٍ آخر، بحيث اختلط الإرباك الاستخباري بالإعلامي؛ من أين أتى هذا الصاروخ الباليستي الذي أنزل مليونين وثلاثمئة ألف مستوطن إلى الملاجئ في يافا وتل أبيب؟ من اليمن أم من العراق؟ وأين الدفاعات الجوية والمنظومات المخصصة لاعتراض هذا النوع من الصواريخ، وإذا كان المتحدث باسم "الجيش الإسرائيلي" غير جدير بالثقة ولا يُقنع أحداً، كما سارعت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" الى القول، فإن عشرات الصواريخ الاعتراضية قد أطلقت دون جدوى، وكلفة الصاروخ الواحد منها مليون دولار، وإذا كان هذا الصاروخ الذي تبيَّن لاحقاً أنه يمني قد سقط في أرضٍ مفتوحة كما يدَّعون، فإن الصواريخ الاعتراضية قد انهمرت شظاياها على مصانع ومنشآت ومحطة قطار وأحدثت دماراً وحرائقاً، تماماً كما انهمرت على المستوطنين في الملاجئ أخبار من اليمن، أن هذا الصاروخ الباليستي الجديد قد قطع مسافة 2040 كيلومتر خلال إحدى عشرة دقيقة، وهو بداية تجريبية للحرب التكنولوجية المتطورة من اليمن على الكيان الصهيوني، وفق ما أعلن العميد اليمني يحي سريع في بيانٍ للقوات المسلحة اليمنية.
اللافت في الأخبار الرسمية القادمة من اليمن، أن هذا الصاروخ الجديد قد استهدف فعلاً موقعاً عسكرياً في يافا على سبيل التجربة لفئة الصواريخ "الفرط صوتية"، تماماً كما سبق للقوات اليمنية أن أرسلت الطائرة المُسيَّرة الجديدة "يافا" لاستهداف منطقة يافا على سبيل التجربة، والردّ اليمني على اعتداء ميناء الحُديدة لم يأتِ بعد، وأن تجربتيّ المُسيَّرة "يافا"، التي حملت هذا الاسم بناء لطلب حركة حماس، وصاروخ الجيل الجديد الذي تجاوز كل الدفاعات الأميركية والغربية في البحر الأحمر، وعَبَر أجواء القواعد الأميركية في بعض الدول العربية، ضمن إطار "المرحلة الخامسة" لجبهة الإسناد اليمنية في مواجهة العدوان على غزة.
تزامنت ومضة "العين الحمراء" اليمنية مع انسحاب حاملة الطائرات الأميركية "روزفلت" من البحر الأحمر، بذريعة أنها لم تأتِ لتبقى إلى الأبد، وسط تسريبات أن الحرب الأميركية مع روسيا في أوكرانيا استوجبت استدعاء "روزفلت"، خصوصاً أن أميركا تحاول التقاط أنفاسها على عدة جبهات قبل شهر وبضعة أيام من الاستحقاق الرئاسي وسط الحرب الداخلية الشرسة بين كمالا هاريس ودونالد ترامب.
و"الومضة اليمنية" التي أشعلت النيران في منشآت صناعية ومحطة وخطوط قطار قرب حرم مطار بن غوريون، ترافقت مع رشقة 150 صاروخ قبلها وخلالها وبعدها من جبهة لبنان، ومسيَّرة من العراق استهدفت حيفا، وحصلت العملية، فيما رئيس الوحدة الاستخبارية 8200 المعروفة باسم "أمان" كان نائماً وفق ما ذكرت وسائل الإعلام "الإسرائيلية"، هو الذي تمّ تعيينه حديثاً خلفاً للعميد يوسي سارييل، الذي يُقال إنه استقال منذ أيام على خلفية شعوره بالفشل في مواجهة عملية 7 أكتوبر، فيما تتحدث أنباء عن إصابته أو مقتله في عملية حزب الله على قاعدتي غاليلوت وعين شيمر من ضمن 22 قتيلاً وسقوط 74 جريحاً في هذه العملية، التي تُنكر "إسرائيل" نتائجها لغاية الآن، وأفصحت عنها جهة أمنية أوروبية رفيعة لقناة "الميادين"، وما عزز احتمالية إصابة وليس استقالة العميد يوسي سارييل في هذه العملية، هي في عدم ظهوره حتى بعد استقالته المزعومة.
ووسط تساؤلات المعارضة "الإسرائيلية"، والقادة العسكريين السابقين في "جيش الدفاع" عن كيفية حصول العملية اليمنية، زخر الإعلام "الإسرائيلي" بالتساؤلات: إذا استطاع الصاروخ اليمني اجتياز 2040 كيلومتر، فوق كل البوارج والمدمرات والقواعد الأميركية والغربية في البحر والبر، فماذا عن صواريخ حزب الله لو انطلقت من مسافة "صفرية"، في أية حرب مستقبلية مع لبنان؟ وإذا كان صاروخ يمني واحد أنزل أكثر من ربع سكان "إسرائيل" إلى الملاجئ، فإن "إسرائيل" قادمة على انهيار كاملٍ عند أول مغامرة مع لبنان كما سبق وحذَّرت مراراً صحيفة هآرتس.
ولم تعُد تطورات الميدان الداخلي الفلسطيني في العدوان على غزة والضفة الغربية ذات أهمية، أمام الواقع الذي يتدحرج نحوه نتانياهو وحكومته اليمينية المتهوِّرة، حتى ولو سيطر بالنار على غزة والضفة الغربية، فماذا هو فاعل مع جبهات لبنان والعراق واليمن، وماذا هو فاعل بمواجهة إيران في حال اندلاع الحرب الشاملة، وأولاً وأخيراً ماذا هو فاعل مع ستة ملايين فلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهو لا يملك "غربالاً" لتمييز المدني بينهم عن العسكري المُقاوم، فيما تستعد الفصائل الفلسطينية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو على الأقل لجنة فلسطينية لإدارة شؤون قطاع غزة، وربما الضفة الغربية أيضاً في حال اقتناع السلطة في رام الله بوجوب حصول ذلك.
ستة ملايين فلسطيني، مليونان منهم في القطاع يرفضون االانتقال إلى سيناء، مهما كان هذا الاقتراح متداولاً في أروقة صنع القرار الغربية، والحديث عن بناء مدن لهم في سيناء، فهذا حل مستحيل ليس فقط بفضل قوة المقاومة في غزة داخل الأنفاق، بل بسبب رفض العشائر العربية في سيناء السماح بانتقال فلسطيني واحد إلى رمالٍ هم أسيادها، والقوات المسلحة المصرية تحسب ألف حساب قبل فرض ما يُزعج "دويلة العشائر العربية في سيناء" منذ ولاية محمد مرسي.
وبالانتقال الى الضفة الغربية، وما يُحكى عن خطة "إسرائيلية" لتهجير أربعة ملايين فلسطيني الى الأردن، أو حصول توافق دولي على إعلان "دولة الأردن الكبرى" التي تضم الضفتين الشرقية والغربية، فماذا عن العشائر الأردنية المتعاطفة مع الداخل الفلسطيني، لكنها رافضة مبدأ التوطين في الأردن لأن في ذلك مساس بالعرش الهاشمي، خاصة بعد إعلان انتصار التيارات الإسلامية في الانتخابات النيابية الأردنية منذ أيام؟ علماً أن سكان الأردن، هم 80% من الفلسطينيين أو من أصل فلسطيني، مما يعني أن حدوداً تترامى بطول 365 كيلومتراً بين الأردن وفلسطين المحتلة، باتت بين القبضة الفلسطينية أو من أصل فلسطيني من جهة، وقبضة إسلاموية أكثر حرصاً من سواها على المقدسات المحتلة من جهة أخرى.
وأمام الواقع الجديد، حيث ربع الشعب "الإسرائيلي" نزِل إلى الملاجئ بسبب صاروخ يمني تجريبي واحد، تحدث الإعلام الصهيوني أن ربع هذا الشعب أيضاً هاجر أو يفكر في الهجرة من "إسرائيل" بعد عملية طوفان الأقصى، وربع الاستثمارات في مجال الصناعة التكنولوجية قد توقفت، والربع الثاني قد انتقل من "إسرائيل" إلى دول أخرى، فإن الانهيار الكامل لهذا الكيان الذي تؤكد عليه صحيفة هآرتس وسواها قادم، عند أول حماقة تؤدي لحربٍ شاملة، وبالتالي قيام الوطن الفلسطيني البديل على أرض فلسطين.