الثبات- إسلاميات
عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امريء مانوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
حظي هذا الحديث الشريف باهتمام العلماء فكانوا يستفتحون به كتبهم تنبيهًا للقارئ لتصحيح نيته في العمل لله تعالى، وهو من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام فهو أصل فيه، وعليه تدور غالب أحكامه، وهو ثلث العلم كما ذكر ذلك الإمام أحمد بن حنبل والشافعي رحمهم الله، ومعنى ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية بالقلب أحد هذه الأقسام الثلاثة
والنية أساس العمل وكالروح للجسم، ولا فائدة من الجسم بغير الروح، ولا ظهور للروح في الدنيا من غير تعلق بجسد، فالأعمال التعبدية كالصلاة والحج والصوم لا تصبح معتبرة شرعًا، ولا يترتب الثواب على فعلها إلا بالنية
محل النية القلب، فلا يشترط التلفظ بها، ولكن التلفظ بها مستحب لأنه يساعد القلب على الاستحضار مع الله تعالى والخشوع والإخلاص له سبحانه
و وقتها أول العبادة كـتكبيرة الإحرام بالصلاة، ويشترط فيها تعيين المنوي وتمييزه عن غيره، فلا يكفي أن ينوي الصلاة فقط بل لابد له من تعيينها بصلاة الفجر أو الظهر أو العصر، وهكذا في سائر العبادات لأن تعريف النية في اللغة القصد والإرادة، فعلى المسلم أن يعين مقصوده في النية
وقوله ﷺ :((وإنما لكل امريء مانوى)) أي: من نوى عملًا صالحًا فمنعه من القيام به عذر قاهر وظرف طارئ كالمرض والوفاة فإنه يثاب عليه، وهذا من كرم الله تعالى على عباده وأن النية أمرها عظيم وأن العبد قد يبلغ بها منازل عالية عند الله تعالى، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها، كما ثبت عن النبي ﷺ أنه لما رجع من غزوة تبوك قالﷺ: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً، إلا كانوا معكم)) قالوا يا رسول الله: وهم بالمدينة ؟ قالﷺ : ((وهم بالمدينة حبسهم العذر)).
وهذا تنبيه أنه يجب على الإنسان المهتم لأمر آخرته أن يعتني بأمر النية، وأن يجعلها زوادة للآخرة ويتعهّد قلبه ويحضه على الإخلاص والصدق، ويحذره من الرياء أو الشرك الأصغر عند كل عمل يقوم به، يقول النبي ﷺ مشيراً إلى ذلك: ((من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانت الآخرة نيّته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)).
ثم ساق الحبيب الأعظمﷺ مثالًا يدلل فيه على ارتباط وثيق بين الإخلاص في النية والعمل فقالﷺ:((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
والهجرة: هي الانتقال، فعلى المسلم أن ينتقل من دارالمعصية إلى دار الطاعة، ومن رفاق السوء إلى رفاق صالحين، ومن مكان لا يُظهر فيه دِينه إلى مكان يظهر فيه شعائر دين الله تعالى، ومن خُلق القطيعة والرذيلة إلى خلق الوصال والفضيلة، وهو قاصدًا وجه الله تعالى في كل هجرة.
وتخصيصه ﷺ لذكر المرأة من بين متاع الدنيا بقوله: ((أو امرأة ينكحها)) تنبيه وتحذير لنا من فتنتة النساء، قال ﷺ: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))، وهذا سبب ورود الحديث: فقد ذُكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه: مهاجر أم قيس.